مشكلتنا مع الأكل تكمن في سيطرته علينا، وضعف مقاومتنا أمام تلك الإغراءات الغذائية… أطباق غذائية ذات ألوان جذابة… رائحة فواحة زكية…وطريقة تشتاق النفس للمغامرة معها…
رأيته ذات يوم على السرير الأبيض وقد تغيرت بعض ملامحه… أتذكر أول مرة رأيتها فيها كان وزنه مناسباً أما هذه المرة فقد أصبح هزيلاً شاحباً…
قرأت الاسم وطابقته على الواقع الذي يمتثل أمامي… سألت نفسي أيكون هذا المريض هو محمد الذي أعرفه منذ مدة… تجرأت و سألته عن اسمه كاملاً…
وأجابني نعم أنا محمد الذي زارك في العيادة… ولكن لا تتعجب مما تراه… فلم أعمل بما نصحتني به… صرت ( أمزح ) مع السكري تارة يتفوق عليّ وتارة أخرى أتفوق عليه ولكنه كان دائماً الرابح في المعركة…
تأوه بألم… ثم قال:
أتعلم مما أعاني منه الآن؟
ومما تعاني الآن… ألست تعاني من السكر ؟!
قال وهو مبتسماً متأوهاً ذاك زمان …أما الآن فقد أضفت إلى مرضي بالسكري مرض آخر وهو فشل كلوي
دمعت عيناه…
تأسفت بداخلي مما آلت إليه حالته…
قلت له: لا بأس عليك … دعني أرى الفحوصات التي أجريت لك لعل هناك خطأ في التشخيص … والخطأ جائز يا عزيزي…
صرت أتصفح في ملفه علني أجد بعض ما يغير من حالته… علني أجد خيطاً يتمسك به هذا المريض… علني أجد بارقة أمل تعيد بسمة الحياة لهذا المريض…
كانت الفحوصات تشير إلى بوادر الإصابة بالفشل الكلوي… ولكن لا يعني هذا أن المريض سيدخل هذا المعترك الخطير… فهناك أمل…
عدت إليه وقد شجعت نفسي كثيراً ورسمت ابتسامة على شفتي… وقلت له بكل جرأة: نعم يا عزيزي الفحوصات تشير إلى ما قلته… ولكن هذا لا يعني أنك ستدخل في دوامة الغسيل الكلوي… فهناك الكثير أمثالك يعانون من هذا الفشل الكلوي … في مرحلة ما قبل الغسيل الكلوي… ولكنهم مع التزامهم بالحمية والدواء الموصوف لهم استطاعوا التغلب على هذه المحنة…
أنت يا محمد تستطيع أن تقفز على مرضك… تستطيع أن تؤجل إصابتك بالمرض… ولكن متى يكون ذلك ؟
سألني وقد بدأت نبرة صوته تتغير: ومتى يكون ذلك ؟
أخذت كرسياً كان بجانب أحد المرضى وجلست وقلت له: اسمح لي أن أتحدث معك قليلاً…
قال : تفضل …
قلت له : إن جميع أمراضنا هي بحاجة إلى عناية خاصة … لا تقبل التلاعب … لا تقبل الغش … بعضها بحاجة إلى التعامل بصورة صارمة… وبعضها بحاجة إلى التعامل بكل دقة…
إن الحمية التي نصفها ليست نابعة من الفراغ… بل هي حمية متناسبة مع حالتك الصحية… وقد قمنا بحسابها تبعاً لحالتك… و أنت تعلم ذلك…
دورك ووظيفتك يا عزيزي أن تأخذ هذه الحمية و تتعامل معها بجدية أكثر… لا تقل ماذا يضر لو أكلت هذا النوع من الطعام…
أتعلم ما هي مشكلتنا يا أخي…
قال و هو متشجع: وما هي مشكلتنا ؟!
قلت له: إن مشكلتنا تكمن في عدم تفكيرنا فيما نأكل، هل سألت نفسك ذات يوم لماذا تأكل ؟
قد تقول أنك جائع ولهذا أكلت… وهذا صحيح… ولكن في مثل حالتك و أنت مصاب بالسكر أنت تأكل لأنك بحاجة إلى تنظيم السكر في الدم… ماذا يحدث لو أنك أهملت وجبة ما… ألا تشعر بانخفاض السكر؟ ماذا يحدث لو أنك تناولت سكراً… قطعة من الكيك أو البقلاوة… أو تناولت كمية كبيرة من الأكل… ألا تشعر بارتفاع السكر… ؟
كل هذا يدعونا لأن نكون ممن يفكر في ميكانيكية الأكل و تأثيره على صحتنا… معظمنا لا يفكر في هذا الأمر… و إنما يفكر في إشباع غريزة الجوع وفقط… ولهذا نجد السمنة منتشرة… ولهذا نجد الكولسترول مرتفعاً عند البعض بسبب عدم التفكير…
من هنا أقول لك يا أخي لابد لك من أن تتعامل مع المرض والحمية بعقلية… فكر فيما تأكله… ولماذا تأكله… فكر في مكوناته و هذا هام بالنسبة لك… لا تجعل نفسك تنساق مع الأكل اللذيذ و إلا ستجد نفسك بين الفينة و الأخرى تلازم هذا الفراش…
نظر إلي بعد حديث طويل عن أهمية التفكير في الأكل وقال:
لقد قررت من هذه اللحظة أن أفكر… و أفكر… وأفكر في كل لقمة أضعها في فمي بل سأكتب ورقة بخط عريض و أضعها في ( المطبخ ) سأكتب: فكر ثم فكر فيما تأكل…
سلمت عليه وحييته على هذه الروح… وقلت له: أريدك هكذا… قاوم المرض بروحك… بفكرك… و أتمنى أن أراك ثانية ولكن في مكان آخر غير المستشفى…