شباب يلجؤون للعنف في حسم خلافاتهم .. واختصاصيون: الإعلام شريكٌ في تلك الجرائم

في زمن وصف بالطيبة والتسامح، كانت كلمة بيضاء وابتسامة، تصافح وقبلة على الرأس تنهي أكبر الخلافات، كما كان لأهل الخير دور في إصلاح ذات البين، بين الأخوة والأصدقاء والأزواج، والخلاف والمشاكل واردة بين أقرب الناس وأكثرهم لحمة فقد تعاركا ابنيّ نبي الله آدم.

وعلى غرار ما حدث في مبتدأ تاريخ الإنسانية، عادت حوادث العنف لتصفية الخلافات بشكل لم نعهده من قبل، من حيث البشاعة والشناعة، في زمن اصطبغ بالمدنية والتحضر، فهناك قتل بأدوات حادة، وبعضها بالضرب، وأخرى بالرصاص وبدم بارد، وبعض الجرائم فاقت الوحشية بالوصف.

وبما أن المجتمع يشهد بين حينٍ وآخر حوادث عنفٍ ضحاياها شباب في مقتبل عمرهم، وأبطالها شبابٌٌ آخر، قد يرغب في فرض “عضلاته” تارةً، أو تقليد أحد أبطاله الذين صنعتهم السينما تارةً أخرى، وغيرها من الأسباب التي قد تكون ذات أبعادٍ نفسية أو اجتماعية أو سلوكية.. فقد سلّطت «القطيف اليوم» الضوء على تلك الظاهرة باستضافة عددٍ من الاختصاصيين الذين تحدثوا عن تعريفها كظاهرة، وأسبابها، وطرق علاجها.

استعرض الاختصاصي النفسي فيصل آل عجيان تفسيرات لأسباب العنف لدى مدارس قديمة وحديثة فقال: في علم النفس قديماً وحديثاً هناك مناهج مختلفة لتفسير العنف، ففي بدايات علم النفس، كان عالم النفس فرويد يعتقد أن العنف غريزة فطرية في السلوك الإنساني، بمعنى أن الإنسان يولد، ولديه العنف كسمة وجودية، وأسماها (غريزة الحياة)، ومع الوقت والزمن، والتربية، والقوانين، وعبر العادات والأعراف، يتعلم أن العنف سلوك غير مقبول، لكن ما إن يغيب القانون أو يغيب الأب وسلطته ويسقط نظام الدولة، لتحول الجيران المتآلفين إلى أعداء، وتبدأ الحياة يدب فيها العنف، ويؤيد هذه النظرة التي تعتبر تاريخية علماء نفس، وهناك آخرون راجعوا هذه النظرة ووجدوا أن هناك أشياء أخرى تفسر العنف”.

وذكر آل عجيان تفسيراً آخر للعنف:” فمثلاً ظهر علماء النفس المعرفيين، أو المدرسة المعرفية، التي ترى أن هناك أفكاراً خاطئة، إذا اعتقد بها الشخص يمكن أن تسبب عنفاً أسرياً أو اجتماعياً أو بين الزملاء، فهناك فكرة خاطئة تلعب، مثل الفيروسات التي تصيب جهاز الحاسب الآلي، فعقل الإنسان مثل جهاز الحاسب، يمكن لفكرة خاطئة إذا تملكت الشخص أن تحوله إلى كائن عنفي خطير”.

وشرح الاختصاصي هذه الأفكار بقوله:” من هذه الأفكار، الفكرة الدائمة أن هناك أناساً سيئين، يجب معاقبتهم فهذه الفكرة يمكن أن تولد عنفاً أسرياً، فمثلاً، لو اعتقد شخص أن هذا الطفل لابد أن يضرب، لأنه لن يتأدب إلا بهذه الطريقة، ولأنه سيء ويحتاج عقاباً لكي يتأدب، فهذه الأفكار يمكن أن تحدث عنفاً أسرياً أو اجتماعياً، وتدعوا لعدم التسامح مع الذات، ومع الآخرين، وعدم الاحتكام إلى القانون؛ لأن هذه الفكرة تجعله متملكاً للسلطات الثلاث فيكون هو القاضي، والمشرع، والمنفذ”.

وذكر العجيان تفسيراً آخراً للعنف:” أيضاً هناك المدرسة السلوكية، التي تعتقد أن العنف سلوك متعلم، ومحكوم بنتائج، فإذا جرب الشخص أن يكون عنيفاً، وحقق نتائج طيبة، فمثلاً أصابه موقف، واستجيب لرغباته مع والديه وأصدقائه وآخرين، لأي سبب، ولم تكن عليه نواتج سلبية، ولم يعاقب، فهنا من المتوقع أن تتكرر الاستجابة العنفية، بمعنى أن العنف إذا أعطى نتائج إيجابية لدى الشخص، فإنه سيتكرر ففي البداية يجرب، فيفترض مع أي سلوك عنف يجب أن يوبخ أو يعاقب”.

وقال العجيان مشدداً على دور الرموز في زرع العنف بالمجتمع:” وهناك دور للنمذجة (النماذج) التي تصنعها الميديا والإعلام الحديث، والأصدقاء والأفلام، فهناك أناس يرمزون للعنف، فإذا كان الممثل أو النجم أو البطل يستعمل العنف، فإن هذه النماذج يحتذي بها المراهقون أو الأطفال، فيتحول لسلوك محاكاة لها، فإذا كانت هذه النماذج عنيفة فيمكن أن يحدث عندها سلوك عنفي”.

وأضاف مبرراً أخيراً للعنف بقوله:” أيضاً هناك فكرة البحث عن العدل المطلق والحق الجذري التي قد تقود لأعمال عنف”.

واختتم العجيان حديثه ملخصاً لما أسرده :” في المجمل تكلمنا عن العنف كغريزة حياة، وسلوك متعلم، وسلوك يمكن أن يزرع عبر النماذج التي يحتذى بها، والعنف لدى المعرفيين الذي يقود الإنسان الذي يحمل أفكاراً خاطئة لسلوك العنف”.

وعبر الاختصاصي الأول في علم النفس الإكلينكي حسين آل ناصر عن رأيه كمختص في أسباب توجه الشباب للعنف في حسم الخلافات بقوله: “العنف له أشكال متعددة، وقد يكون لفظياً وقد يكون جسدياً، وأغلب المدارس النفسية ترى أن العنف مكتسب ومتعلم، كما تحاول بعض وسائل الإعلام ربط العنف بالبطولة والقوة، وبالتالي يكتسب العنف معنى آخراً إيجابياً عند الشباب غير معناه السلبي، وقد يتجه الشباب للعنف لعوامل كثيرة منها: البطالة، وعدم وجود عمل، الفراغ، تقليد الآخرين الذين يستخدمون العنف، خصوصاً إذا كانوا يعدون نماذجاً بالنسبة للمقلد، الانتماء للجماعات التي تتبنى العنف منهجاً للتعبير، وطريقة مثلى للتعامل مع الحقوق والواجبات”.

وذكر آل ناصر حلولاً لوقف هذه الظاهرة مشدداً على دور الوقاية:” قبل التحدث عن العلاج علينا أن نذكر الدور الوقائي والمتمثل في احتضان الأسرة لأبنائها، وتبني الحوار الفعال والنقد البناء كمنهج حياة.
لا يمكن التعامل مع مشكلة العنف من دون الوقوف على مسبباتها، فالعنف لا يولد فجأة، وإنما هو حصيلة تربوية ونفسية واجتماعية”.

وأضاف الاختصاصي:” يجب محاصرة العنف أكاديمياً، وذلك بتقديم مناهج ومحاضرات تتبنى منهج اللاعنف في التعامل الإنساني، بالإضافة لإدانته اجتماعياً والتكاتف للترجمة العملية للسلوك الفعّال والحوار الراقي، وللمثقفين دور لا يغفل في التعامل مع العنف، من خلال نبذه ثقافياً، وتوجيه أصابع الاتهام له من خلال الكتابات، والأمسيات والثقافية، وغيرها من قنوات الثقافة”.

وواصل مشيراً لدور القوانين في وقف العنف:” القانون يلعب دوراً أيضا،ً فينبغي أن يحاسب متبنيّ العنف وممارسيه ويعاقبوا حتى يكونوا عبرة لغيرهم، وختاما أشير إلى أن العنف قد يكون عرضاً مرضياً، فيلزم التعامل معه من قبل المختصين النفسيين، بمعرفة دوافعه وأسبابه وتاريخه، ثم تقديم التدخلات المناسبة المعرفية والسلوكية كإعادة البناء المعرفي بالإضافة للتدريب على الحوار الفعال، وطرق حل المشكلات، واختبار بدائل جديدة غير العنف”.

وأكدت الاختصاصية الاجتماعية فاطمة العجيان بأن ظاهرة العنف منتشرة فعلاً في مجتمعاتنا وقالت:” انتشر العنف بمختلف أنواعه ضد الزوجة، أو الطفل، أو العمال المستخدمين، حتى أقيمت مؤخراً مؤتمرات ومحاضرات ومطويات ضد العنف تحت شعارات مختلفة أهمها “لا للعنف”، إلا أننا لازلنا نحتاج المزيد من الوعي، والتنبيه المتكرر تجاه هذه الظاهرة”.

وأبانت العجيان أسباب العنف بقولها:” إن العنف أحد أسباب الانحراف، وأحد أسباب الضغوط والتوترات في التكيف البيئي والاجتماعي السليم، وقد يلجأ البعض أثناء الخلاف والعصبية للعنف اللا عقلاني والذي قد يكون مدمراً للطرفين المختلفين”.

وركزت الاختصاصية على دور الموروثات الشعبية التي قد تكون بوتقة للعنف بقولها:” وهذا الموضوع المتشعب والذي له عدة أسباب ومسببات مختلفة
منها: الاجتماعي والنفسي والبيئي السيكولوجي، وقد يكون تربوياً أو ثقافياً، فالبعض لديه فهم خاطيء عام (مايؤخذ بالقوة يسترد بالقوة)، أو خذوهم بالصوت لتكن لكم الغلبة، وآخر إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، كلها مفاهيم مكتسبة خاطئة بنواحٍ مختلفة، والحديث في هذا المجال يطول”.

واختتمت حديثها بالعلاج الذي قد يساهم في تخفيف جرائم العنف:” يعالج العنف بالاستمرار بالتوعية والإرشاد، فلا يوجد علاج جدري لهذه الأمور، التي تختلف تباعاً للمسبب والسبب، لكنها محاولة التخفيف من هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر السلبية، ونركز على التوعية المستمرة، غرس المبادئ الدينية، تفعيل دور المسؤولية، كما أن الخوف من العقاب أحد الضوابط، والتأسي بالأحاديث الشريفة من السنة النبوية التي تركز على الحلم “لا تغضب”، والعفو عند المقدّرة، والآيات المباركة “خذ العفو وأمر بالمعروف”، وغيرها الكثير ونسأل الله الهداية والصلاح”.

وكان للاختصاصية الاجتماعية زينب الحبيب رأي حول توجه الشباب للعنف إذ قالت:” لا تقوم المجتمعات إلا بطاقات الشباب وهممهم، وفِي ظل هذا الانفتاح والتسارع الزمني، لايكاد يمر يوم دون أن نسمع عن حالة عنف أو مأساة جديدة أو حادثة فريدة، من نوعها والتي أصبحت قريبة من بيوتنا وأبنائنا، في ظل العولمة التي اكتسحت مجتمعاتنا فمنها حدوث القتل، والاختطاف، وأعمال البلطجة، وعنف الشباب تجاه آبائهم وأمهاتهم، كذلك العنف في المدارس، سواء كان بين الطلاب بعضهم البعض، أو تجاه المدرسين، وانتشار الشللية خصوصاً في مدارس المراحل المتوسطة والثانوية”.

وأوضحت الحبيب أسباب العنف، مركزةً على دور الإعلام في تصعيده:” ومن أهم أسباب العنف عند الشباب: العنف الأُسَري تجاه الأبناء، والنقد، والتحقير، المستمر لهم، والبطالة التي تفشت، ولا تخفى آثارها على كل مجتمع يعاني منها، كذلك الشعور بالنقص، خصوصاً من الأيتام والأبناء الغير شرعيين، أيضاً ضعف الوازع الديني، والفقر، أو نقيضه ألا وهو كثرة المال، ولا يخفى أثر الثقافة التي ينشرها الإعلام، كأفلام الرعب والأكشن في تغيير أفكار شبابنا وأبنائنا، بالإضافة إلى انعدام الحوار بين الشباب وأسرهم وعدم فتح قنوات خاصة لخدمتهم، والوقوف على مشكلاتهم كعمل الندوات والبرامج الثقافية”.

وقدمت الاختصاصية علاجاً لهذه الظاهرة بقولها:” إذا أردنا أن نجد بعض العلاجات لهذه المشكلة، وجب علينا أولاً الوقوف على أهم مسبباتها ودراستها، ثم وضع خطة للعمل على التقليل منها، ومن أهم العلاجات تشديد الرقابة على وسائل الإعلام، خصوصاً المرئي منها وزيادة عدد الندوات، وورش العمل التي تشرك الشباب، وتستغل طاقاتهم في النهوض بهذا المجتمع، كذلك خلق فرص وظيفية لهم، واستغلال طاقاتهم وتوجيهها التوجيه السليم، كذلك فتح قنوات حوار بين الشباب والجهات المعنية لدراسة مشكلاتهم، من خلال الشباب أنفسهم، ليكونوا بذلك شركاء في النهوض بمجتمعاتهم، وأخيراً وليس آخراً الشباب هم حاضر هذا المجتمع، وهم سواعده الندية، وعلى أكتافهم نبني مستقبلنا، فلنأخذ بأيديهم لنرى المستقبل جلياًً في أعينهم قد أصبح واقعًا ملموساً “.


error: المحتوي محمي