في تمائم أدبية.. الحايك يحذّر المسرحيين من استخدام اللغة الفخمة مع المتلقي

ناقش الكاتب المسرحي والسينارست عباس الحايك “علاقة المسرح بالشعر”، مسلطًا الضوء على الحركة المسرحية في زاويتها الشعرية.

وبين اللغة الشعرية في تعاطيها مع الفن المسرحي، وكيفية الحوار في النص المسرحي، داعيًا إلى استخدام اللغة اليومية، التي تجسد العلاقة الوطيدة بين المسرح والجمهور، محذرًا من استخدام اللغة الفخمة المتعمقة بلاغيًا في تواصلها مع المتلقي.

جاء ذلك في ورقة قدمها السيناريست والناقد المسرحي عباس الحايك، متناولاً فيها عن علاقة المسرح بالشعر، في أولى الورشات التفاعلية لملتقى تمائم أدبية، لموسم ٢٠١٨ م مساء الأربعاء، بمقر منتدى الكوثر الأدبي .

وأشار إلى أن الشعر أقرب مسرحيًا في أيام الإغريق، بكون أكثر كتابه من الشعراء، مكتفيًا بتناول التاريخ والملوك والنبلاء، مبعدًا عن بيئته الدرامية والمواضيع الاجتماعية، موضحًا أنه منذ بداية المسرح الطقوسية أيام الغريقيين وحتى وقت قريب، ارتبط المسرح بالشعر، حتى أن فن الشعر كان عنوان أول كتاب تنظيري لفن الدراما، كتبه الفيلسوف اليوناني أرسطو، الذي حدد فيه معالم التراجيديا والكوميديا والميلودراما .

وقال: إن النص المسرحي، الصيغة الأولى لأي عرض مسرحي، بدأ شعرًا يحاكي الآلهة، ثم لغة رفيعة في انتمائه لمؤسسة الكنيسة، ثم تخلص من الشعر عبر اللغة العامية ،لذا كان أكثر كتاب المسرح عبر تاريخه الطويل هم من الشعراء من اسخيلوس، سوفوكليس، يوربيدس، شكسبير، ت. اس. إليوت،سارتر، بيكيت، بريخت .

وأضاف: خاصة في تلك الفترة الطويلة التي كانت السلطة في المسرح للكاتب المسرحي، قبل ظهور وظيفة المخرج على يد دوق ساكس مننجن، حتى امتلك المخرج كامل السلطة على العرض المسرحي، الذي تزامن مع وصول النثر للنص المسرحي، وتغليب الجانب الدرامي في المسرح إلى نهايات القرن الثامن عشر، التي انحسر فيها الشعر عن المسرح .

وأردف ولكن عاد الشعر إلى النص المسرحي مع ظهور التيار الرومانسي في بدايات القرن التاسع عشر مع فيكتور هوجو وألسكندر دوما و ألفرد دوموسيه وغوته، منوهًا إلى أن هذا التيار، هو الذي أوجد ما عرف لاحقًا بالمسرح الشعري الذي تسيد حركة النص المسرحي في أوربا .

وتحدث عن المسرح الواقعي في مواجهة غلبة الشعر، لافتًا إلى أن رائده المسرحي النرويجي هنريك أبسن الذي ” كتب مسرحيته ” اتحاد الشباب في العام 1869م – بالنثر وليس بالشعر- الذي اعتاد الكتابة به .

وقال : إن أبسن يحب أن يكتب باللغة الواقعية اليومية التي يستخدمها الناس في حياتهم ووجد أن النثر ولغة الناس الواقعيين، هي اللغة الأفضل لطرح القضايا الاجتماعية التي انشغلت بها نصوصه المسرحية .

وذكر أنه في الوطن العربي، يرى الباحثون المسرحيون، أن أول نص مسرحي عربي كتب ليمثل، كان نص ” البخيل”، الذي كتبه مارون نقاش في العام 1847م، عن مسرحية ” البخيل ” لموليير، من تأليفه – نقاش -، ألفه وقدمه في منزله في لبنان شعريًا، بعده تتالت المسرحيات منذ ذلك التاريخ، ليكن الشعر الصيغة اللغوية للنصوص.

ولفت إلى أنه في بدايات القرن العشرين، بدأت تتضح معالم المسرح الشعري بعد أن تخصص في كتابته مجموعة من الشعراء، الذين دخلوا إلى عالم المسرح من بوابة الشعر، مفيدًا فبعد عودته من الدراسة في فرنسا، كتب أحمد شوقي بين عامي 1927-1932 مسرحياته الشعرية : مصرع كليوباترا، مجنون ليلى، قمبيز ،عنترة.

وأكد نقديًا، أن مسرحيات شوقي، كان يعيبها وفرة الشاعرية على حساب الدراما والكتابة المسرحية، إلا أن فاعليتها، كسياق مسرحي شعري، له أثره على من جاء بعده من الكتاب، ليظهر العديد من كتاب المسرح، الذين نقلوا المسرحية الشعرية نقلة نوعية في استخدامهم للشعر الرصين في حوارات مسرحياتهم، كعزيز أباظة، ومن مسرحياته : العباسة، شجرة الدر، زهرة، الناصر، شهريار، وعبد الرحمن الشرقاوي، ومن مسرحياته : مأساة جميلة، الفتى مهران، تمثال الحرية، وطني عكا.

وقال: الملاحظ لقارئ نصوص هؤلاء الشعراء المسرحيين، أنهم انحازوا للموضوعة التاريخية في نصوصهم أكثر من انحيازهم لقضايا معاصرة، عبر التناول التاريخي الوثائقي المباشر أو عبر استخدام الحكاية التاريخية، كرمز لقضايا معاصرة .

وأشار إلى أنه في مصر، التي كانت رائدة وحاضنة للمسرح العربي ،شهد مسرحها بعد ثورة يوليو 1952 الكثير من التغيرات ليتناسب مع الظروف السياسية والاجتماعية، حيث أصبح المسرح في هذه المرحلة، علامة من علامات صعود تيار التجديد والنهضة الحديثة .

وقال: من الأسماء، التي ظهرت وشكلت علامة بارزة في المشهد المسرحي العربي : نعمان عاشور، سعد الدين وهبة، يوسف إدريس، الفريد فرج، ميخائيل رومان، على سالم، الذين كتبوا نصوصهم بحوارات نثرية امتازت بالحيوية والعمق، والقدرة على الوصول إلى المتلقي بسهولة، دون الدخول في متاهات اللغة الشعرية.

وأوضح: بمعنى أنهم كتبوا نصوصًا قريبة من عالم الناس، ظهرت أسماء تحررت أكثر من عبء المفردة العربية الفخمة، وكتبوا نصوصًا اقتربت أكثر من هموم الناس.

وذكر أن الأدب نص ينتج ليقرأ والمسرحية نص، ينتج لينفذ على خشبة المسرح، مشددًا على أهمية اللغة، لدى كتاب النص المسرحي، لتمثل هاجسًا، مفيدًا أن اللغة العربية فيها ماء، لافتًا إلى أن عبارة اللغة العربية فيها ماء، كانت العبارة التي اختصرت أول درس شفوي تعلمه من المسرحي العراقي الراحل قاسم محمد.

وعلق : لغة ندية، خصوصًا في المسرح، مشددًا على ضرورة أن تكون قريبة من اللغة اليومية .

وقال : وتكررت ذات العبارة في برنامج عرض على قناة الشارقة لقراءة عرض ” فصول من عذابات الشيخ أحمد”، الذي أخرجه حسن رجب لفرقة مسرح الشارقة ٢٠٠٣، أثارتني العبارة، فيما بعد أيقنت أن في اللغة ماء.

وذكر أن اللغة المسرحية، لابد أن تحتوي على خصائص معينة تتفرد بها دون سائر الأنواع الأدبية، كون المجال الذي تعمل فيه،مجال الفعل وليس مجال السرد، لذا ينبغي أن تكون مركزة واضحة ومفهومة غير سردية .

وأكد على أن لغة الحوار، يجب الابتعاد فيها عن الغنائية والبوح الوجداني و الوصف الشاعري، سعيًا لتقوية الجانب الحركي المسرحي، مبينًا أن الكاتب المسرحي ليس وصافًا أو شاعرًا وجدانيًا .

وأضاف : ومناسبة اللغة لموضوع المسرحية، موضحًا أن المسرحية ذات الموضوع التاريخي، يختلف أسلوب لغتها عن أسلوب الموضوع الواقعي، ولغة المأساة تختلف عن المسرحية الكوميدية، كذلك أن يتلائم الحوار مع الشخصية، لافتًا إلى أن لغة المثقف غير لغة الجاهل، ولغة الفلاح غير لغة ابن المدينة.

وتابع : وأن يكون رشيقًا وذا إيقاع جميل ، موضحًا أن طول الجملة أو المقطع ،يؤدي إلى ضياع المعنى والجمل التي ليس فيها إيقاع موسيقي جميل لا تفتن المتفرج أو القارئ ،داعيًا إلى أن يكون الحوار مساعدًا على الإلقاء ،ذلك بالابتعاد عن الحروف التي لا تتلاءم ،والكلمات ،التي ترهق حنجرة الممثل .

ونوه مع هذا ،فإن الكثير من الكتاب المسرحيين خاصة المبتدئين منهم ،ينساقون إلى اللغة الفخمة، والأل
لفاظ المعجمية، والتراكيب التي تميل للشعر أكثر من ميلها للنثر ،في كتاباتهم للمسرح .

وأبان أن النص المسرحي، يكتب ليجسد على الخشبة، بالتالي يجب أن يكون ًسهلاً للتجسيد، وحواراته مناسبة للنطق، مؤكدًا أن أكثر ما يتعب الممثل ويرهقه على خشبة المسرح، اللغة الخشبية الغامضة ومحاولة فك شفراتها، ليكون منشغلاً بها .

وقال : فما بالك بالمتفرجين الذين يفقدون ذلك الرابط بينهم وبين العرض، ما يفقدهم جماليات التلقي المسرحي، وهم في محاولتهم تفكيك شفرات الحوارات التي تصل إلى آذانهم.

ولفت إلى أن بعض كتاب المسرح، يعتقد بأن اللغة المسرحية، هي اللغة الموغلة في الغموض المحفوفة بالشعر، كذلك من قبل المخرجين، لاعتقادهم بأنها المناسبة لتتجسد على الخشب، مبينًا بأنها أضاعت كثيرًا متعة المسرح .

وقال : إن المسرحية فعل درامي إذا فقدته، فإنها تفقد الدراما، مشددًا أن كثير من الكتاب في النص، يتسلقون على اللغة، فينسون اللغة.

وأكد أن المسرح الذي لا يرتب بكل الفنون يفشل، مشيرًل إلى أن أي نص، يمكن تحويله إلى لغة الجسد ،والمخرج يلغي الحوار ويخرجه بشكل بصري والمسرح البصري اتجاه من اتجاهات المسرح الحديث.

وعن برنامج تمائم ،قال عضو تمائم أدبية الشاعر رائد أنيس الجشي : لأن الفن المتحرك الإبداعي ،هو القادر على تبني الأفكار الجديدة وتطويعها بداخله مع الغوص في ذات الوقت بجذوره وأصوله، تقيم تمائم هذه الجلسات الحوارية والنقاشية مع مميزين بفنونهم المغايرة، وتتوقع أن يحدث هذا التنوع عصفًا ذهنيًا، تتلاقح به الأفكار، فتثمر أفكارًا ورؤى جديدة، خصوصًا أنها تعتمد على تحليل رؤى وتجارب واعية.

وبين لأن الأصل، هي الفكرة والرؤيا قبل تجسدها شعرًا، نثرًا، مسرحًا، تشكيلاً بصريًا، أو فوتوغرافيًا، تحاول أن تقف تمائم مع أصدقائها من المحاورين والمناقشين في تلك النقطة من التلاقي قبل أن يعيد الفنانون تجسيدها بطرق فنهم الخاصة والمغايرة .

أما عن الورقة التفاعلية ” علاقة المسرح بالشعر “، أفاد عضو تمائم أدبية الشاعر هادي رسول، أن الورقة كانت ثرية بمحتوى مقدمها الكاتب المسرحي المبدع عباس الحايك و بمداخلات المدعوين من شعراء و فنانين لمناقشة الورقة.

وأضاف : إن الحايك تجربة مسرحية بارزة في كتابة النص المسرحي و أعماله متجاوزة حدود الجغرافيا المحلية، و كانت ورقته نافذة على المسرح، كنشاط إنساني منذ نشأته، حيث كان الشعر، هو جسد النص المسرحي، لاحقًا حل محله النص النثري ليكون جسد النص .

وأشار إلى أنه ناقش هموم المسرح بإضاءات لافتة بما يحمله همه الإبداعي لتطوير الحركة المسرحية.

وعن أهداف تمائم أدبية حول ورشاتهم، قال : ليس هدف تمائم أدبية مجرد مد جسر تواصل بين شعراء تمائم والفنانين وحسب، و إنما البحث في المشتركات والحفر فيها بمعرفة فنية، و استكشاف العلائق بين الآداب و الفنون بأدوات ممارسيها و تجاربهم الثرية معرفيًا و الغنية فنّيًّا .

وعن تمائم أدبية أوضح لشاعر فريد النمر، بأن مجموعة تمائم أدبية، مجموعة تعنى بالحركة الشعرية الإبداعية والفضاء الأدبي المتنوع ذو القيمة الابتكارية ومناقشة ما يستجد بالمشهد الأدبي للرقي بالشعر والفنون الأدبية لمراحل أكثر نضجًا وأكثر دهشة، بعيدًا عن الإسفاف والمكرر والعامي، لخلق ذائقة فنية تعنى بالحداثة في مفهومها الجديد و الكتابي الواعي ودفعه لنمو المفهوم الثقافي إلى حيث يليق بما وصلت له الثقافة الشعرية في الوقت المعاصر.

فيديو:


error: المحتوي محمي