هموم ما قبل الهموم !

يُعرَّفُ الهَمُّ في علم النفس بأنه : التفكير السلبي المتواصل من غير انقطاع بشأن التهديدات والتحديات المستقبلية والطرق الممكنة لمعالجتها ، والحلول الناجعة لها .
وبطبيعة الحال فإن تعاقب هذا النوع من التفكير يؤدي إلى القلق والتوتر ثم الكآبة .
من خلال هذا التعريف يتضح لنا وبصورة جلية- لا لَبْس فيها ولا غموض ولا تشويش – أن الهموم من الأمور التي لا ترغبها نفس الإنسان التواقة إلى الجَذَل والحبور والسكون .
فلماذا إذًا نغرس – وربما نغرز – الهمّ تلو الهمّ في نفوس أبنائنا منذ نعومة أظفارهم ، وحتى قبل أن يدركوا أبعاد هذا المصطلح المحبط المؤلم ؟!
إن الهموم بكافة أنواعها ستأتي تباعا على أبنائنا ولا بد لهم من التعامل معها ، والتأقلم مع أعراضها ومحاولة السيطرة عليها ، وإيجاد الحلول المناسبة لها ، كل ذلك سيأتي وله وقته ، فلِمَ العجلة والإسراع والبَدَرَان ؟!
إن كل مرحلة من مراحل عمر الإنسان لها طابعها وهمومها التي تجتاحها وتعصف بها ، والهموم تبدأ متدرجة كما عمر الإنسان ، فتكون في بادئ الأمر صغيرة وبسيطة ، ثم ما تلبث أن تكبر وتتشعب وتتعقد ، وربما تتوحش إذا لم يتم التعامل معها بصورة صحيحة ؛ لذا علينا أن نكون واقعيين ونحسن التعامل مع فلسفة تلك الهموم عندما نطرحها على أبنائنا، وكما هي متدرجة في القوة والدقة والتعقيد فعلينا أن نكون كذلك ، فلا نقدم لهم الهموم الكبيرة ابتداءً ، بل نستهِلّ ونَشْرَع بالهموم الصغيرة معهم ، ونخاطبهم على قدر عقولهم وحجم وعيهم.
ولكن في مقابل ذلك الطرح لتلك الهموم فإن هنالك حوارا من نوع آخر ، وبدائل رائعة نرى أنه من الواجب علينا تقديمها على الهموم ، وإعطاءها أولوية حقيقية ومستحقة في هذه العمر الصغيرة ، وهي على ضفة النهر الأخرى ، ومن تلك البدائل : التفاؤل والحب والمثابرة والعطاء وروح الإبداع ، فلْنُمْسِكْ بالمِعْوَل ولْنَحْفُرْ قناة تصل بين النهر وتلك البدائل .
عندما نتحدث مع الأبناء في هموم/أفكار سلبية لا يعيشونها ولا تعنيهم ألبتة ، ونراهم يُومِئُون لنا برؤوسهم دلالة على إدراكهم لتلك الهموم ، هم في واقع الأمر لم يستوعبوا شيئا ، وعقولهم البسيطة غير الناضجة تفكر في تلك اللعبة المعلقة على الرف خلفنا . هذه المواقف ونُظراؤها تدعونا لوقفة تأمل وتبصُّر وتفكُّر !
دعوا أبناءكم يعيشون طفولتهم التي فيها كل شيء عدا الهموم/الأفكار السلبية التي نحاول أن نقدمها لهم على طبق من شوك ، وإن كانت هناك هموم ، فهي لا تعدو كونها جرعات صحية تتناسب والمرحلة التي يخوضونها .
كثير من الآباء يظنون أنهم يحسنون صنعا عندما يعرّفون أبناءهم بهموم المستقبل/التهديدات والتحديات ، ولكنهم – ومن شدة خوفهم وحرصهم – ينسون عمر الزهور وأحلام الطفولة وعالم البراءة الذي ينتمي إليه الأبناء ، ولو حدقوا في عيونهم لشاهدوا أرجوحة تحمل أبناءهم وتطير بهم إلى دنياهم ؛ دنيا اللاهموم ، وهم في حالة من البهجة والفرح والسعادة .
هل هذه اللوحة الطفولية الجميلة يمكن أن نزاحمها بتلك الهموم التي ستودي بهم إلى ظُلْمَة الكآبة بعد أن يستوطنهم القلق والتوتر ؟!
أضع بين أيديكم القلم ورزمة من الأوراق ؛لتكتبوا الإجابة ، وتنثروا عليها بَتَلات الورود ، هذه بَتَلة الحب ، وتلك بَتَلة التفاؤل ، وبين هذه وتلك ينبثق شعاع الأمل ليخترق آفاق المستقبل المشرق لهذه الغِرَاس الندية .


error: المحتوي محمي