في البدء لم أخطط لفكرة طرحي هذا حيث البداية تأتي دفئا, لذلك هناك في بيتي أوراق وهناك أقلام في بعض أركانه, سأحاول من مساحة قلمي أن تظهر صورتي بقلم من رصاص, ولأن تجربتي الكتابية هي من صنع إنسانيتي فأنا هنا في مواجهة الكلمة حيث يشغلني الهم الإنساني, وأتوقع إن القارئ سينعتني بالمبالغة ومعه في ذلك أشد العذر, وعذري إن كل ما في القطيف يدعوني للكتابة فاستلهم الأفكار من عراقة مدينتي بشوارعها وأزقتها ورمالها , أقسم كل صباح بولائي لمدينتي وفي الليل أضمها إلى صدري لعلني أنام, أعترف بمشاعري إنها غاية في البنفسج وذات بذخ فلسفي.
استأذنت الشمس لتلملم ما تبقى من ضوئها, فجعبتي ما زالت تعد بالكثير من مشاريع الكتابة حيث يسكنني فن السرد وأمارسه كجواز سفري, بل نقطة ضوء ساطعة فالسرد هنا يؤثث في داخلي حلما من رخام,وهو الشكل التعبيري الذي وجدتني أعبر من خلاله على أشياء لا أدركها إلا حين يصبح نصا مقروءا, وقبل أن أبتعد عن هذا الوهج المتوقد, أجدني اطرق بابكم في صباح قطيفي دافئا جدا حبا ويقينا بأن الكتابة جزء من حضوري على الساحة, أول شيء تذكرته عندما صحوت من النوم كوب قهوتي أتفقدها قبل فطوري.
إنه الصباح هكذا يوقظنا بيوم جديد أحاول أن استحضر بعض اللحظات الرائعة, لتمسح من على ناصية القلب ما علق بها من تعب وقلق, فأنا أدرك تماما إن سواد الليل يتبعه صباح صافي ويأتي لباسه المتألق حتى حدود الابتهاج, لا زلت أؤمن إن الشمس ستشرق بكل اللغات, وإن هناك أمور رائعة تنكمش في مساحة جانبية ضيقة تطل على القارئ الفطن باستحياء كبير, حيث لي في الصدق وقفة عمرها ألف عام, فالحياة تضج بالأمل والحب,نحن بحاجة لألوان من بياض السماء وحتما الأرض ملونة بجمال ساكنيها.
جلسة باذخة حركت دواخلي اعتدلت في جلستي وأخذت نفسا عميقا وتعالت أمواج فضولي وتلعثم لساني, وأنا أعترف إنه لا شيء يطاردني, حيث الهدوء المطلق وعدة أسئلة تدق خواطري في هذا العالم الهجين وعبر المكان الوفي المليء الذي يعترف بطاقات الإنسان, سأسكب على بياض قلبي ما تيسر من حبر قلمي حيث سأماهي لغتي مع ما هو خارج المعنى, ولكن بأي نسق أجعل هذه الشذرات بلا عبث! ماذا تريدون أن تقرؤوا فقلمي يكتب بما يشعر .
هي لحظات صادقة تدعوني لأخذ فسحة قصيرة لأركن لبعض السكون والذي أحتاجه بين حين وآخر أرغب أن أكون وحدي دون الانفصال عن الآخرين, حيث التواصل مع الآخرين يمنحني السعادة التي أشعر بها, أنا بحاجة إلى خلوة كي تعود نفسي إلى التحليق, وإن حلقنا يا قراء فسوف نكون أسراب من الفراشات ولعل القارئ الكريم يدرك مغزى التحليق فذاك جمال أخر, وهنا لا تسعني الدنيا بما حوت أو رحبت فالنفوس الدنيئة تشيخ يوما بعد يوم على مرأى ومسمع وربما تحتضر,فأنا لا أحب أن يعيقني القلق وأعتبره عاصفة تنظف وتطهر داخلي, حيث أحيا بحدود احترامي للآخرين ولا املك إلا أن أجتاز حدود صدقي مع نفسي, فكل ما أكتبه هنا يقربني من ذاتي وكلما اقتربت من ذاتي شطبت على الوهم, وواجهت الحياة بالأمل والحب والتحدي والنجاح لتمنحني فرصة التحرر من نفسي أو لا تمنحني شيئا البتة.
كم يكفيك أيها القارئ من الترتيل والتلاوة كي تدرك فكرتي وقد تبدو الفكرة عابرة,فيكفيني أن أكتبها على استحياء لا يضاهى وبطريقتي الخاصة كي يحيا ما شاء قلبي من خلود, فالقارئ يتمتع بكل ما فيه من إيحاء ورمز لذا فالذائقة الأدبية شيء ضروري, عجبا تأسرني الكتابة وتسرق تفكيري لأستطيع الوصول بأفكاري إلى مرافئ الهدوء والسكينة حيث أشم رائحة الحبر هنا من نبض قلمي, وهناك رائحة عبقة من بخور عماني يغمر المكان مع سرد من الكلام يعلو على الواقع ويجعلني أبقى هنا فالتفكير في هذا الكون الكبير أكبر من إدراك الإنسان.
للصمت فيض جميل رغم خجل الكلام فإذا أردت البوح أخشى أن تخذلني الحروف وتتبخر الكلمات, وقد يتآكل قلمي الذي يسعى وبوعي كامل لرسم ملامحي, حيث لا أعتقد إن الصمت يؤلمني بل ما يؤلمني هو فراغات الكلام , في قرارة نفسي لم تكن لي رغبة إلى الكتابة رغم هيجاني الكتابي, حيث إنها نافذتي الوحيدة لإثبات إني شخص له قدرته ووجوده في الكتابة, وفي الوقت ذاته أعتبرها خطوة أنجزها كتجربة اكتشف ذاتي .
ألمس عزوف الكثير من الناس عن الهموم والأوجاع ليس إحباطا أو قناعة, وهذا هو حزن الكتابة بذاك القلم الرصاصي وما أكثر الأقلام ذات القيمة والرسالة والهدف,حيث يرفض قلمي ممارسة النفاق والكذب على صدور الأوراق وتستنكر أصابعي مزاولة المراوغة والزيف نظرا لقدسية إحساسي, ومع لقاء الكتابة والوجع والحب اكسر جدران العتمة بإصراري على التواجد فا الهم العربي نسخة واحدة تتكرر, فلا يهمني أن أكون صوت نفسي بقدر ما يهمني أن أكون صوت من حولي, وأن أقول ما لا يستطاع قوله أن افرد أجنحة الحرف لتحلق بين أبجديات اللغة, رغم إنني أحاول أن اسكن في لغة بلا كلام فتباغتني اللغة وكم تتحول كتابتي إلى لغة واضحة تشبهني, مهما كان المقال بسيط بشرط وجود قهوتي شامخة التي أعتبرها مصدر إلهامي وإحدى طقوس كتاباتي.
هل اعترف لك بسر؟ كم كان موجعا إنني أعيش في بيئة تنجح إلى حد كبير في أن تورثني وجعا,أنا لا أحلم ولم أحلم يوما بكتاباتي حيث أكتب بوعي كبير, وهذا ما جعل الوجع ظلا ثابتا لبعض مقالاتي حيث يؤلمني تجاوزات الآخرين, وفي متن المقال تراءت لي لوحات من الكتابة الجريئة ترسم وجع الرؤية , لمن يرسم رؤية مشوهة لقلمي وحيث إننا في زمن مقلوب لا يحسن فن القراءة, وكم هو جميل أن تكون ملكا بتاج حروفك و لأن الفرح لا ينتج مقالا رائعا فما أجمل ذلك الشعور الذي ينتابك حين تدخل فرحة لقلب غيرك.
كنت أسمع وألمس الأشياء المقدسة بداخلي تتناثر كالكريستال النقي, وكان ذهني ليس معي في مكان آخر يستحضر المقام والمقال, فالبعض يعيش في زمن الوحل الأسود ولكنني شخصيا لن أسمح لذلك الوحل أن يزحف ولا للسواد أن يعم حتى لا تصاب روحي بغيبوبة, وهنا سأراهن على أمور أفضل من ذلك ارتسمت في ذهني تساؤلات ويثير السؤال بقدر السؤال الذي في خاطري,ولمقالي وقع حبيبات الطلع حيث تختبئ الأفكار التي لا أبوح بها,ولكن ما يسعف ذاكرتي إن السهر لا يزال يتقدم على أروقة عمري لأني لا زلت أمارس مراسمه كل ليلة.
جذبني تعليقا من إحدى قارئاتي متسائلة بتعجب من أين لي بالظروف التي تساعدني على الكتابة, وأنا المسئولة عن بيتي وزوجي وأولادي وبوجود عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية, التي تجعل المرأة دائما مشغولة بزوجها وأولادها وبيتها,فهل كان من السهل أن أهضم سؤال كهذا شعرت إنها تخفي وراءها أكثر من مجرد استفزاز, فمن أين لي جو الكتابة و الوقت للتفكير, سأعتبر تعجبك يا عزيزتي مجرد فضول, ولن أستبعد أن تجدي لي وصفا بالمتمردة لأنك “عفوا” لا تدركي مدى جمال فكر زوجي بعد والأجمل إن رفيق عمري هو من يهيئ لي الجو المناسب للكتابة وهل تتخيلي إن هناك ثمة رجل يقوم بإعداد وتحضير فنجان القهوة لزوجته, فلعلني سحبت تعجبك وأجبت على تساؤلك بصدق دون استفزاز.
أعجبني جدا ذاك القول لبوذا ” لا أعرف شيئا عن أسرار الرب ولكني أعرف كثيرا عن بؤس البشر” قد لا يدرك البعض الكثير من معرفة أسرار الله بقدر الهيبة والخوف والعظمة , زد على ذلك عندما نبحر بإدراكنا معرفة بؤس البشر وحجم أوجاعهم, عندها سندرك قليلا أسباب خوف الناس من المرض والموت, وهذا تحديدا ما دعا إليه بوذا التأمل ففي تأملنا للحياة وتجاوزنا الوجع والإحباط, سنكون في طريقنا إلى التسامح والحب, قد تهم هذه الفكرة البعض منا وقد يزدريها البعض الآخر.
ما من شيء يجرؤ على تغيير تفاصيل ابتسامة قلبي, وما من شيء يمكنه إن يحجب حبي عن مدينتي وأهلها إلا غيمة تائهة في السماء, يا إلهي ونسيت إنني في القطيف, حيث الشمس أجمل من الغيوم التي افتقدها بين حين وآخر.
أعتذر لقراءتك هذا الزخم من الشذرات العابثة بفوضوية مباحة, راجية أن لا يضيع إحساسي بين هذه الشذرات ولابد أن أنوه إنه ليس هناك سبب لتسميتي هذا العنوان وليس كل القراء يدركوا المعنى مما فيه من خيال واسع وبُعد عميق, لما أكتبه بعمق وبإحساس وبألم والأعظم أجهش بهكذا بوح, ولا أعتقد إن الحس والتذوق الأدبي قد تبخر عند الناس, وللحديث لمن شاء بقية.