البساطة تقود فلاحاً لتحطيم تماثيل أثرية بـ تاروت.. وفخاريات الجزيرة لا تضاهيها أخرى

بين أراضيها غفت حضارة قديمة، مؤرخةٌ بآثار تحكي تاريخ أزمنة عاشتها تلك الأرض، ولربما فضلت تلك الآثار أن تختبئ عن أعين المتطفلين، لتدخل في سباتٍ لم يوقظها منه غير الصدفة.. إنها “تاروت”، الجزيرة التي ضمت ماضمت من أقوام وحضارت عاشت فيها عمراً ثم تلاشت، إلا أنها خلفت وراءها آثاراً تدل عليها، وتخبر بأن تلك السلالات البشرية كانت حقاً تعيش هنا.

مركز حضاري وموقع أثري
يذكر الباحث في التاريخ سلمان رامس بأن جزيرة تاروت تعتبر أهم المراكز الحضارية في الخليج العربي، ومع أنها تحتوي على مواقع مسيجة غير أن حقيقة الأمر كل هذه الجزيرة هي موقع أثري في غاية الأهمية.

ويضيف:” تحتوي هذه الجزيرة على متروكات أثرية متنوعة، تنتمي إلى حقب زمنية مختلفة، تعود إلى آلالف السنوات، وحتى العصور الإسلامية.

الرجل العابد وتماثيل أخرى
من الممكن أن تقرأ رواية التاريخ من قطعة حجرية، أو كسرة طين.. يوضح رامس لـ«القطيف اليوم» بأن المتروكات الأثرية في جزيرة تاروت مختلفة ومتنوعة بين تماثيل مختلفة الأحجام أشهرها التمثال المعروف بالرجل العابد وتماثيل أخرى.

في الأطرش.. آثار حطمتها البساطة
يقول رامس: “ذكر لي بعض كبار السن أنه كان يعمل فلاحاً في شمال جزيرة تاروت، في حي يعرف فريق الأطرش، وأنه وجد مجموعة من التماثيل كانت الأحجام بحجم الرجل العادي قام هذا الفلاح البسيط بتحطيمها”.

حضارة عربية ومنقبون غربيون
يبين رامس بأن المنقبين استخرجوا مجموعة من الأواني المختلفة، والكثير من القطع الفخارية، وقد لاحظ جفري بيبي عند زيارته لجزيرة تاروت في موقع القلعة انتشار الفخار، وعلى الفور التقط كسرات حافة من آنية فخارية من نموذج البار بار، وانتشرت كسر الفخار الحمراء ذات الحواف المعروفة لنا في كل مكان، وها نحن مرة أخرى في دلمون.

ويضيف: “من هذه القطع الفخارية التي استخرجت من جزيرة تاروت قام جوريس زارينس -كما جاء في مجلة أطلال العدد الثاني- بدراسة عن أنواع الفخار في المملكة، وعن الحجر الصابوني في متحف الرياض وضمت 600 قطعة من الفخار”.

ويتابع رامس:” ذكر الباحث أن المصدر الرئيسي للمواد الحجرية تحت الدراسة هو جزيره تاروت، وأن الموقع تم اكتشافه 1962، وأضاف جوريس أن الأدوات المصنوعة من الحجر الصابوني، والتي تنتمي للألف الثالث قبل الميلاد من خارج تاروت، تعد نادرة، والعدد قليل في الأجزاء الأخرى من الجزيرة العربية”.

وقال:”يرى دانيال بوتس أن بعض المعثورات الأخرى من الأواني في تاروت تماثل في التركيب قطع خفاجة ونيبور وأور، وهذه لا تضاهي مجموعة تاروت المعمولة من الحجارة اللينة، من حيث حجمها وغناها وتنوع زخارفها، ولا يضاهيها أي مكان آخر في المنطقة”.

وأضاف:” يرى بوتس أنه بمقارنة تحاليل الأواني التي عثرت عليها في تاروت والعينات المأخوذة من البر، أن بعضاً من الحجارة المستعملة في تاروت يمكن أن تكون قد جلبت من مصدر يبعد عن الرياض بحوالي 200 كيلومتر إلى الجنوب الغربي منها، وهذا ينطبق على مثيلتها في فيلكا وماري”.

اتصالٌ حضاري
يبين رامس بأن بعض الكسر الفخارية المكتشفة في جزيرة تاروت، تُظهر مدى الاتصال الحضاري بين هذه الجزيرة، وبين مجموعة الحضارات المحيطة بها، في الشمال والجنوب، مثل كسر من الصحون الفخارية المزدوجة وكسر الفخار على نمط باربار، كما عثر على عدد كبير من القطع البرونزية المتأكسده والمهترئة ومجموعة من الدبابيس والمسامير وخرز من العظم المصقول.

وتابع:” كما تم العثور على مجموعة من الأواني الفخارية، والحجرية، ومزهريات حمراء، ومزينة في موقع فريق الأطرش شمال الجزيرة، تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وفي موقع الرفيعة تم الكشف عن أوانٍ فخارية، ومجموعة من الأواني المصنوعة من الحجر الصابوني والمرمر، والتحف الصغيرة، وهو من المدافن الغنية بالمواد الأثرية، ويعد من الورش الصناعية للأواني الحجرية المصنوعة من الحجر الصابوني على مستوى المنطقة، ولقد أشار إلى ذلك الدكتور علي المغنم في كندة العدد الأول 1414.

وقال:” كشفت دراسة كول وهابوتيل وساير أن مصادر الأحجار اللينة في جزيرة تاروت متنوعة، بما يتفق مع الدور الذي تلعبه الجزيرة كمحور للتبادل التجاري بين مناطق مختلفة وبعيدة، وأن عمان ومناطق قريبة من الدوادمي والطائف وأبها كانت أهم مصادر هذه الأحجار المستخدمة في تاروت، إلا أن دور تاروت لم يكن مجرد كونها مركزاً للتبادل التجاري وحسب، بل كانت أيضاً مركزاً لإنتاج البضائع، ويدل على ذلك العثور على قطع الأحجار اللينة الخام، وقطع غير مكتملة الصنع، والقطع والخام من مادة اللازورد.

تمثال الخادم العابد الذي وجد في جزيرة تاروت

تمثال تاروت «الخادم العابد»

 قلعة تاروت

الديرة قديماً، ويظهر أمامها قلعة تاروت

الباحث سلمان رامس

—-

*جوريس زارينس ” Juris Zarins” عالم آثار أمريكي من أصل لاتفي وأستاذ في جامعة ميسوري، وأحد العلماء الذين عملوا في بدايات الاكتشافات الاثرية في السعودية.

*البروفسور دانیال بوتس، مؤلف عالمي متخصص في علم آثار الشرق الأوسط.

*«جفري بيبي» (Geoffrey Bilbby) عالم آثار مشهور، وكان أحد أعضاء البعثة الدنماركية التي تولت عملية التنقيب في الستينات الميلادية في جزيرة تاروت.


error: المحتوي محمي