“المشاعر المكتومة لا تموت أبدا إنها مدفونة وهي على قيد الحياة وستظهر لاحقا بطريقة بشعة” سيجموند فرويد.
يرتبط الانسان منذ ولادته بمن يقوم بشؤونه ويوليه الاهتمام والرعاية اللازمتين، وهذا لا غبار عليه، وينمو ويقوى خلال تلك الفترة، وتتكون الأحاسيس وينضبط السلوك، يرجع ذلك الفضل كله إلى من تكفل به واحتواه معنويا وماديا، وخلال هذه الفترة يتعرف الانسان كيف يعبر عن حاجاته الفسيولوجية بطريقة طبيعة وتلبى حاجاته أيضا بطريقة الرعاية والاهتمام.
لكن هذا المسار ليس دائما متوفر لكل انسان يُقبل إلى الحياة، فالبعض يُولد ولا يوجد من يتكفل أو يقوم برعايته، حيث يفقد ذلك الجانب الهام لتكوينه النفسي والسلوكي، وينشأ في أحضان كاتمة لكينونته، ذلك الفقد الناجم عند الولادة أو مرض عضوي ونفسي يتسلط على الأم، يُفقد ويسلب ذلك الانسان القادم بخوف وبكاء الى الحياة الأمان والطمأنينة والاستقرار الوجداني.
لذلك نجد البشر مختلفين من الناحية الانفعالية الوجدانية، وبطبيعة المؤثر أثناء التربية والاهتمام تتكون نوع الشخصية، كما أن العلاقات الاجتماعية من العوامل المساعدة أو الهدامة في اشعار من سلب الرعاية الأمومية وقصور الاهتمام للأسباب الآنفة الذكر، والتي جعلته يخوض غمار التجارب الحياتية القاسية دون دراية كافيَّه أو توجيه، بالاحتواء المعنوي أو خلافه.
غالبا يختل كيان الإنسان الذي لا يجد أمَّاً تشد على يده خلال مسيرته، وتتلاقفه أيدي أخرى مقدمة له الاهتمام المتذبذب أو الرعاية الرخوة، فيصبح ويمسي محبطا متقبلا تقلبات الأيدي المتنوعة التي تحاول أن تقدم له شيئا يمكنه أن يستمر في الحياة، لكنها لا تمنحه القدرة المتطلبة للتعبير عن المخزون الهائل من البؤس أو الحزن أو المعاناة فيكتم كل تلك الأحساسيس وقد تساهم العلاقات الأخرى الهشة التي يتعلق بها من باب رغبته أن تكون متنفس وحضن يحتويه تصبح حبال خنق وجلد له.
فالنتيجة الحتمية التي يترتب عليها كتم الأحاسيس بشتى أنواعها خلق انسان يعاني عللا نفسية وجسدية وقد تطال سلوكه ليصبح باردا جافا أو متوترا وقلقا وان لم يتواجد الوازع الإيماني كالخوف من الله، احتمال أن يتعدى ذلك إلى ايذاء الاخرين والانتقام منهم، هذا الصراع الداخلي الذي يتفاقم وضعه في نفس أي انسان يُهمل بقصد كان أو بغير قصد يتواجد بشكل واضح في العلاقات بين الأفراد، فنجد الزوجين اللذين يكتمان الكثير عن بعضهما ولا يعبران بطريقة سليمة تكثر بينهما الخلافات وعدم التفهم، كذلك نجد ذلك بين الاخوة أو بين الأصدقاء وحتى بين الموظف ومديره.
إن منح فرصة للتعبير عما يختلج في النفس تعين الكثيرين على تخطي ما هو متوقع على المدى القريب، و تصرفهم عن العيادات النفسية وغيرها، والمطلب لذلك أفراد مرنيين ومتفهمين، كأن يكون الزوجين قادرين على تقبل التعبير عنما يضايقهما أو يسعدهما بأسلوب بعيد عن السخرية أو التهكم أي نقاش موزون وملائم لطبيعتيهما، وحتى مع باقي العلاقات لابد من توفر ذلك، فعدم توفره يفضي إلى سوء الفهم و العُقد بأنواعها.
فالعقد ان تكونت قد تكون ايجابية أو سلبية، يشير د.عبد العظيم كريمي إلى أن ” القضية الهامة هي ان نعلم في أية ظروف تتحول العقد الى امراض واختلالات، وفي اية ظروف تؤدي الى ترقي الشخص وتقدمه” ويرى يونغ أن ” العقد المتوارية في اللاشعور الجمعي غير مُرضِية في حد ذاتها، الا انها عندما تتغير في اللاشعور الفرد اثر اصطكاكها بالصراعات الفردية، وتتلون بصبغة المشاكل والتعارضات الشخصية تصبح مُرضِية”.
من هنا ندرك ما تجلبه المشاعر المكتومة وما تصنعه في النفس واللاوعي، وكيفية الحيلولة من ذلك بطرق واعية ومتفهمة للذات البشرية.