آل أمان: لست طبيباً نفسياً.. والمجتمع مليء بمن على شاكلة غازي!

استطاع الكاتب جعفر آل أمان أن يخرج مرض الوسواس القهري من حيزه وعالمه المعهود بين الذات الوسواسية والعيادات النفسية، وكذلك الكتابات البحثية، إلى عالم الحكايات الأدبية ليكون القراء على موعد مع حكاية واقعية تقع بين دفتي كتابه “الوسواسي”.

وحمل كتابه مضامين عدة ورسالة إلى المبتلى بالوسواس لتكون له سبيل للعلاج، وزاد للمتعافى منه، وإن كان في بيئة بها مصاب فهو معين له لمساعدتهم لتخطي أزمته.

وتعد حكاية “الوسواسي” للكاتب آل أمان، الإصدار الثالث له، فقبلها كان له إصداران، الأول مجموعة قصصية بعنوان “ربما بقي أمل” وصدرت عام 2009م، والثاني رواية بعنوان “أقلام ليّنة”عام 2013م.

«القطيف اليوم» سلطت الضوء على الكتاب الذي صدر حديثًا عن دار أطياف للنشر والتوزيع بالقطيف، لتجري مع آل أمان الحوار التالي:

س: حكاية “الوسواسي” لـ “جعفر آل أمان” حكاية واقعية بطلها غازي السعيدي، ما الرسالة التي وجهتها ككاتب من خلال هذه الحكاية؟

ج: الرسالة باختصار أنه يمكن لمريض الوسواس أن يتعافى ويشفى من مرضه مهما كانت درجة المرض، وأن علاجه أمر سهل يسير. وبما أنّ المرضى بالوسواس يعيشون داخل دائرتهم ولا يعلنون عن مرضهم مما يزيد من حدته وبالتالي يكبر وهذا قد يؤدي بالمريض إلى الإصابة بالاكتئاب بل قد يترقى ليصل أحياناً إلى الجنون، وقد كان هذا أحد أهمّ أسباب كتابة هذه الحكاية والتي راعيت بأن تكتب بأسلوب قصصي بسيط يستطيع الجميع التفاعل معه وفهمه، ويساعد المريض لو قرأ الحكاية على علاج نفسه بنفسه متى ما كان لديه العزم والإصرار والتحدي والصبر وقبلهم الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبالتالي يستطيع أن ينظر للحياة بإيجابيّة ويتمكن من قهر الوسواس.

س: هل شخصية غازي في الحكاية بما تحمل من قصة وتجارب هي حقيقية وفي قالب واحد؟ أم أن القصة موجودة ضمن المحيط الاجتماعي واخترت الاسم من ضمن الأسماء الدارجة لتقريب المعنى وتحقيق الهدف؟

ج: الحكاية حقيقية ومن الواقع حدثت لشخص أعرفه ولي به علاقة متينة مكنتني من التعرف على تفاصيل كثيرة في حكايته، وبالتالي هي قصة موجودة ضمن محيطنا الاجتماعي كما تفضلتِ، ومن خلال بحثي وتغلغلي في هذا العالم – عالم الوسواسيين – أستطيع أن أؤكد لكِ وللقراء الكرام بأن هناك الكثير جداً من مرضى الوسواس في مجتمعنا، أغلبهم إن لم يكن كلهم متسترين على مرضهم ويجاهدون بكل قوة، كي لا يكتشف أنهم مرضى وسواس، برغم أن الوسواس هو مرض كأي مرض لكن هذا هو الواقع.

أما بخصوص الاسم فهو ليس الاسم الحقيقي لصديقي صاحب الحكاية بل اسم افتراضي اخترته بعناية كي يلخص الحكاية، فغازي يتوافق مع وسواسي، وعمران إشارة إلى اثنين وهي حالة الشخص التي مرّت بمرحلتين مرحلة الشخص العادي الطبيعي ومرحلة الشخص المريض بالوسواس، بن مهند في إشارة إلى قرار هذا الشخص بأن يتعافى وحسمه لهذا الأمر كالمهند أي السيف، والسعيدي تشير الى السعادة وراحة البال التي حصل عليها بعد نجاحه في الشفاء من مرضه.

س: إذا كانت الحكاية حقيقية فهل نقلتها للقارئ كما كانت أو أنك أضفت عليها مما عندك من فكر ثقافي في الموضوع المطروح في الحكاية؟

ج: يحاول الكاتب دائماً حتى لو كانت الحكاية أو القصة حقيقية أن لا ينقلها كاملة بحذافيرها بل لا بد من وضع لمسات هنا وهناك على مستوى الأسلوب والتعاطي مع الأحداث بما يحقق الهدف الذي ينشده من وراء ما يكتب، وقد كنت أطمع من خلال هذه الحكاية في أن يتأكد كل من يعاني من الوسواس بأنه يمكنه تجاوزه، وصاحب حكايتنا هذه استطاع قهر وساوسه مما يُبقي الأمل لشفاء كل وسواسي قائماً ومتاحاً وحتى – في بعضها كحكايتنا- بدون أدوية أو مسكنات، وقد أشرت الى هذا في مقدمة الحكاية.

ومن هنا فقد أضفت الكثير من المقتطفات والاقتباسات من كتب ومقالات وملخصات لمقاطع مرئية ومسموعة بشكل يخدم الحكاية ويساعد على جعل التسلسل منطقياً، فصاحب الحكاية الحقيقية قد يكون قدّم شيئاً على آخر، لكني عندما كتبت حرصت على تسلسل الأحداث حتى يمكن لمن يقرأ الحكاية أن يستفيد سواء كان مريضاً أو لديه في محيطه مريض أو يود أن يتعرف على هذا المرض وعالم الوسواسيين، وحتى تساعد المريض في مواجهته وتصدّيه للوسواس وفي تعبيده لطريق شفائه.

س: مناقشة مرض نفسي كالوسواس بأسلوب قصصي والإلمام به من جميع الجوانب، من كيفية الإصابة والتعايش معه ووصف كل لحظاته وتتبع ذلك وتوضيح أثره السلبي على الذات والأسرة والمجتمع ومن ثم التشخيص والعلاج، يا ترى كم أخذ ذلك من جعفر آل أمان من وقت لعمل ذلك وكتابته بأسلوب درامي علمي؟

ج: أولاً يجب أن أؤكد للجميع بأنني ككاتب وبأن صديقي صاحب القصة الحقيقية الذي مثّله غازي لسنا أطباء أو أخصائيين نفسيين، بل أصحاب تجربة شخصية نقلتها هنا مزودة بالكثير من المعارف العلمية والطبية والدينية، وأسعى من خلال كل ذلك إلى إنارة الطريق لمن أنهك صدره ألم الوسواس وعانى منه وما يزال، ولكل إنسان يسعى لكسر قيد الوسواس بنفسه ولا يجد له مُعيناً على ذلك، وبالتالي قد يكون هناك خطأ ما في جزيئة في مكان ما في الحكاية، ولو حدث ذلك فهدفي من وراء كتابة هذه الحكاية قد يشفع لي.

وبقي أن أشير إلى أن المدة التي استغرقتها في كتابة هذه الحكاية هي ثلاث سنوات تقريباً، وقد كتبتها بأسلوب حرصت فيه على أن يتناسب مع مختلف المستويات حتى تعمّ الفائدة ويتحقق الهدف الذي من أجله كُتبت. وأتمنى أن أكون قد وفقت في تحقيق هدفي وأسأل الله التوفيق ومنكم الدعاء.

س: تناولت الحكاية عرضاً لطريقة الاستدلال والبحث العلمي والدعوة للبحث بوسائل عدة، لماذا؟

ج: كي يتأكد المريض من صدق هذه التجربة وأن النجاح الذي حالف غازي يمكنه هو أيضاً أن يحققه، لأنه مدعوم بشواهد علمية وآراء طبية وروايات شريفة وآيات كريمة. وكي يتأكد أيضاً بأنها ليست حكاية خيالية وأنها صعبة التحقق على أرض الواقع وهو ما يحتاجه مريض الوسواس الذي يشعر داخله بأن لا أحد يفهمه أو يقدر ما يمر به.

س: هل كان دافعك لمناقشة مرض الوسواس هو أنه سلوك منتشر بين الناس، وأنك تريد من خلاله أن يكون هذا الكتاب صرخة تنبه المجتمع وتقول لهم بأن هناك حل لهذا المرض وعليكم البحث عنه؟

ج: نعم صحيح، للأسف المجتمع مليء بنماذج على شاكلة غازي ولأنهم يجتهدون في عدم كشفهم فالمرض يستشري في المجتمع والمرضى يتزايدون، أتفق معكِ في سؤالك تماماً ونعم هذا دافعي الذي جعلني أقضي هذا الوقت الطويل لكتابة هذه الحكاية حتى تكون صرخة تنبه المجتمع كما تفضلتِ في سؤالكِ وأيضاً توجّه رسائل تحذيرية له.

س: لماذا ركزت على الوسواس في الجانب الديني؟

ج: لقد أخذ الجانب الديني شطراً كبيراً من الحكاية، علينا أن لا نغفل دور الوسواس الذي قد ينشأ في الغالب من وسوسة الشيطان، والذي إذا لم نصده وندحره ونتجاهل وسوسته فإننا سندمّر أنفسنا بأنفسنا، فمعاناتنا هي من أنفسنا لأننا نتجاوب معه ومع إملاءاته فهو عدوّ لنا كما قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}.

وكما أنّ تجاوبنا مع الشيطان يقودنا للوسواس فعلاجه بأيدينا، نحن من استجبنا للوسواس ونحن من نطرده حتى نشفى، وعلينا أن نستجيب لنداء العقل وندافع وساوس الشيطان ولا نجعل أنفسنا تستجيب له، فاستجابتنا لأفكار الشيطان وقبولنا لوساوسه ينقص من قوّتنا ويزيد من قوّة الوسواس.

وفي الغالب تكون بداية الوسواس بالوسواس الديني في العبادات مثلاً وهو الوسواس الشيطاني، وهناك عدد وفير جداً من الآيات والروايات الشريفة التي تشير إلى ذلك وفيها الحل والعلاج، وقد استفاد منها الطب الحديث في علاجه، مثل العلاج السلوكي والمعرفي فهو موجود في روايات أهل البيت عليهم السلام، كرواية الإمام الصادق عليه السلام: (لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم ….). فهي تشمل العلاجين الديني والسلوكي معاً، من هنا كان لا بد أن يأخذ الوسواس في الجانب الديني التركيز الذي أشرتِ إليه في سؤالكِ. كما أن منطلق وسوسة بطل حكايتنا كان من الجانب الديني عندما استجاب لوساوس الشيطان ولم يخمد الشرارة الأولى للوسوسة فتمكن منه المرض وبدأت وسوسته تتنقل من موطن إلى آخر.

س: كيف تبلورت فكرة كتابة الحكاية ومتى؟

ج: عندما تمكّن صاحبي بطل الحكاية الحقيقي من الشفاء دفعني ذلك للتفكير بشكل جدّي في توثيق حكايته، كي تكون سبيلاً لنجاة المصابين مثله، وطريقاً لخلاصهم والأخذ بأيديهم وليجدوا من خلالها بصيصاً من نورٍ يقودهم إلى نهايةِ نفق الوسواس المظلم.

*جعفر راضي حميد آل أمان

– عضو سابق في إدارة نادي الابتسام ورئيس اللجنة الثقافية والإعلامية فيه. ووكيل مدرسة سابق عمل في عدة مدارس على مستوى المنطقة الشرقية.

– عضو هيئة تحرير لعدد من الدوريات والكتيبات والنشرات ثم مسئول تحرير لبعضها.

– مسرحي وقاص وكاتب له مشاركات مسرحية وفنية مختلفة على مستوى الهيئة العامة للرياضة وإدارة تعليم الشرقية وجمعية الثقافة والفنون بالدمام والتلفزيون السعودي.

– إعلامي منذ عام 1990/1991م وحتى الآن.

 

 


error: المحتوي محمي