تفضَّل أحد الإخوة الأكارم فأرسل لي – بطريق (الواتس اب) – رسالة تحمل رابط ، طالبًا معرفة رأيي في فحوى مقال نُشر في (صبرة الإلكترونية) عنوانه: “تحليل مضمون وصف الضابط الإنجليزي فورستر سادلير لما دوّنه عن سوق الخميس في القطيف قبل قرنين و4 أعوام”، وبعد أن أجبته توالت عليَّ رسائل عديدة تستفسر عن الموضوع ذاته.
أوحت لي هذه الرسائل الكثيرة بأن لدى الناس رغبةً مُلحَّة في معرفة أحوال البلد في ماضيها القريب، ويبدو لي أن هذه الرغبة نتيجة حتمية لخلو مدوناتنا المحلية من التاريخ الاجتماعي، أو ما اصطلح على تسميته بـ(الخُطط)، كخطط المقريزي، وصبح الأعشى للقلقشندي، وخطط الشام، لمحمد كرد علي، ونشوار المحاضرة للمحسن بن علي التنوخي. فمثل هذه المدوَّنات لا وجود لها في أدبيات منطقتنا على حد علمي المتواضع، مع ما لها من الأهمية في التوثيق، خصوصًا لبلد كالقطيف عاث التخطيط المرتجل بها محوًا وتدميرًا لآثارها ومعالمها.
واستجابة لهذه الرغبة رأيت أن أدوِّن – في شيء من التفصيل – مشهد سوق الخميس بالقطيف في حِقبة السبعينيات من القرن الرابع عشر الهجري المنصرم، الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي، ولكن قبل أن ألِج الموضوع أود التمهيد بملاحظتين وردتا في المقال، وإن لم يكن لهما علاقة بتحديد مكان السوق، الأولى: أن إسهاب السيد المحلل في وصف وفرة السمك القطيف (البند: 4 ) من تحليله يوحي بأن سادلير أشار بشيء ما لوجود السمك في القطيف، والواقع أنه لم يتطرَّق للسمك إلا عند وصفه للضرائب، فوصف الضرائب على صيد الأسماك بأنها ضئيلة، وهذا لا يدل على قلة السمك، بطبيعة الحال، وإنما على تسامح الدولة مع مواطنيها في فرض الضرائب، أما ما أشار إليه مما يباع في سوق الخميس فهو الِمسك (Musk)( ). وبالمناسبة فإن لوريمر أشار إلى أن رسوم الجمارك إبان حكم بني خالد للمنطقة كانت: 1% فقط. ولعله – لهذا السبب – كانت حقبةً حكمهم للمنطقة مزدهرة().
الثانية: وردت في ختام التحلل، وهي قوله: “وقد سجَّل قائد الفوج الإنجليزي الـ 47 تقارير زيارته في سيرة مذكرات مؤرخة يوميًّا، وللمذكرات طبعة عربية أصدرتها الهيئة المصرية للكتاب عام 2013، بترجمة أنس الرفاعي ولها نسخة PDF” (في الأصل: BDF).
فأولاً – لقد ترجم السيد أنس الرفاعي هذه المذكرات إلى اللغة العربية، أول مرة، بإشراف وتحقيق سعود بن غانم الجمران العجْمي، الكويتي، ونشرها العجمي في مطابع دار الفكر بدمشق عام 1403هـ، 1983م، بعنوان: (رحلة عبر الجزيرة العربية)، وأعاد طباعتها ثانية بمطابع (القبس) في الكويت عام 1426هـ، 2005م، فطبعة (الهيئة المصرية للكتاب) هي الطبعة الثالثة وليست الأولى.
وثانيًا – ترجم هذه المذكرات أيضًا الدكتور عيسى محمد أمين، رئيس (جمعية تاريخ وتراث البحرين)، ونشرت برعاية وزارة الإعلام والثقافة والتراث الوطني بمملكة البحرين، ضمن سلسلة (كتاب البحرين الثقافية)، بعنوان: (رحلة إلى الجزيرة العربية)، وطبعت بالمطابع المركزية، في عَمَّان، بالأردن، عام 2005، ونشرتها المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، وهذه هي الترجمة الثانية للمذكرات.
ثالثًا – الفقير لعفو ربه كاتب هذه السطور تناول تلكما الترجمتين في مقال من ثلاث حلقات نشرت في مجلة الواحة: الأولى منها بعنوان (البلدات معروفة والعيب في الترجمة)، تعقيبًا على مقالة: القطيف – رحلات ميدانية إلى بلدات مجهولة، بالعدد: 45، الربع الثاني من عام 2007، والثانية والثالثة بعنوان: (ترجمةٌ مرتجلة، وبوصلة معطَّلة) بالعددين 46 و47 من المجلة نفسها للربع الثالث والرابع من العام نفسه.
رابعًا – الترجمة الثالثة صنعها كاتب هذه السطور، وراجعها الأستاذ عبد المجيد سعيد الجامد، ونشرتها دار الانتشار العربي في بيروت، عام 1437هـ 2016م. فكان الأولى أن يشار إلى هذه الترجمات، ولاسيما أن عدم ظهور اسم كابت التحليل يستشف منه أنه لرئيس تحرير الصحيفة، أو هيئة تحريرها.
بعد هذه الملاحظة أدلف لما يخص تحديد سوق الخميس في التحليل آنف الذكر.
افتتح الكاتب تحليلَه بهذا العنوان: >ضابط بريطاني يوثِّق وجود “سوق” الخميس قبل 204 سنوات..! مشمش وبرتقال ومنجا.. وزراعة الرز تتفوق على الشعير.
ثم أتبعه بهذا التمهيد: “تحليل مضمون وصف الضابط البريطاني فرستر سادلير لما دوَّنه عن “سوق الخميس” في القطيف، قبل قرنين و4 أعوام هجريًا (198 سنة ميلادية”.
ثم قدم تحليله واستنتاجه لوصف الضابط الإنجليزي فوستر سادلير لمكان سوق الخميس على هذا النحو: “يمكن استنتاج ما يلي، مقارنة بالوضع الراهن. أن مكان سوق الخميس في ذلك الوقت، كان جنوبي قلعة القطيف، وهذا التحديد قريب جداً من الموقع الذي أدركه حتى مواليد ما بعد منتصف ستينيات القرن العشرين أي ما كان يعرف بسوق “الجبلة”، وبراحة الحليب، وهو موقع داخل ضمن قرية الشريعة. شمالي سوق الخضار حالياً. ومعروف أن سوق الخميس أصبح “سوق السبت” منذ تغيير الإجازة الأسبوعية في السعودية إلى الجمعة والسبت بدلا من الخميس والجمعة، كما أن السوق الراهن يقع غربي مدينة القطيف”.
هذا هو تصوُّر السيد كاتب التحليل لوصف سادلير لسوق الخميس، وهو تصور يذكِّر بقول عمر ابن أبي ربيعة المخزومي:
أيها المنكِحُ الثريَّا سُهيلاً
عمركَ اللهَ، كيف يلتقيانِ؟!
هي شاميّة إذا ما استهَلّت
وسُهيلٌ، إذا استهل، يماني
نعم، كيف يستقيم أن تكون الجبلة وبراحة الحليب ضمن قرية الشريعة وشمال سوق الخضار حاليًّا؟
قرية الشريعة موجودة وسوق الخضار موجودة، وهي جنوب الشريعة لا شماليها، وهي لم تبرح مكانها – منذ ذلك الوقت – إلا في فترة وجيزة بين 1375- 1376هـ تقريبًا، نُقلت فيها إلى الركن الشمالي الغربي من بلدة مياس، موقف السيارات الحالي مقابل بنك الرياض، وقديمًا كان محطةً لسيارات الأجرة المتجهة ناحية قرى القطيف الجنوبية، والدمام والخبر والظهران، وذلك أثناء قيام البلدية ببناء أسواق للحوم والأسماك والخضرة، وبعد اكتمال بناء الأسواق أعيدت مكانها( )، ولعل من المفيد أن أذكِّر بأن السوق في مدة وجودها في مياس، تعرضت لحريق كبير جدًّا.
أما ما هو واقع شمالي قرية الشريعة فهي مقبرة مهجورة وغربيها قطعة نخل ثم فريق القفافيص، وكلها موجودة إلى اليوم، باستثناء النخل، فمكانه الآن سوق الحوم الحالي، ولا يفصل قرية الشريعة عن فريق القفافيص سوى عمارة الدهن، وأما ما سماه (براحة الحليب)، فالمعروف في المنطقة ثلاثة مواضع، فقط، لبيع الحليب، أحدها في الكويكب، (حاليًّا مدخل الشارع الذي يخترق الجزء الشرقي من بلدة الكويكب، ويسمى “جامع الحليب”)، ويباع فيه اللبن والحليب طول العام. أصبح الآن موقفًا صغيرًا يتسع لبضعة سيارات.
الثاني في القلعة، يقع شرقي بيت آل الفارس، وغربي بيت آل ناجي، عند المدخل الغربي للساباط، ويسمى (جامع الحليب)، ويباع فيه اللبن والحليب طول العام. الثالث في القلعة أيضًا قبالة بيوت الجشي المهجورة حاليًّا من الشرق، أمام مسجد الشيخ أوال (مسجد الشباب) وحسينية آل العوامي، ويسمى (براحة الحليب)، وبيوت الجشي والحسينية والمسجد كلها موجودة إلى اليوم. هذه البراحة يقتصِر البيع فيها على عصريات شهر رمضان، ويباع فيها الحليب والبيض، وبعض المأكولات الرمضانية كالزلابيا والكباب والعقيلي، وخبز التاوة (خبز الرقاق) والحلوى، والقبيط، وما شابه ذلك من الأطعمة. في هذه البراحة، أيضًا، يمارس الصبيان لعبة تكسير البيض (المكاسر) ( ). أما وصف سادلير لموقع السوق فقد جاء بالنص التالي :
( )(A market is held out side the south fort gate every thusday)
)تعقد سوقٌ خارج البوابة الجنوبية للقلعة كل يوم خميس(.
هذا النص لا يفهم منه إلاَّ أنَّ مكان السوق خارج بوابة القلعة مباشرة دون فاصل، والقلعة ليس لها إلا بوابة واحدة في الجهة الجنوبية التي عناها سادلير، وهي في الركن الجنوبي الغربي من القلعة، غربي المسجد الجامع، وتسمى (دروازة السوق).
معنى هذا أنها تحتل الفضاء الواقع بين القلعة وبلدة المدارس (ميدان السفينة الحالي)، وهذا الفضاء – كما رأيته وكل أبناء جيلي – كان متصلاً – من جهة زاويته الغربية الشمالية -بفضاء آخر كانت تحتله سوق (القتَّ)، وتباع فيها الأعلاف (قت ودخن وحشائش)، وقد أقيمت به دكاكين الآن، لكن الطريق الذي يربط ذلك الفضاء بميدان السفينة ما زال موجودًا إلى الآن.
شيء آخر ينبغي عدم إغفاله، وهو أن ذكر سوق الخميس جاء عرضًا في سياق وصف سادلير للقلعة، ومعالمها ومميزاتها: موقعها، وميناؤها، وشكلها، وبيوتها، وأبوابها، والحصن (الكوت) الذي بداخلها، ومكانه،و لم يورد ذكر السوق وما يباع فيه إلا في هذا السياق، بوصفه أحد معالم القلعة، وهذا نص ما قال:
(The fort of Kateef has three gates, and is of an irregular oblong form; the longest face, towards the sea, having a citadel in the northernmost corner or angle, which is supplied by a good spring of water, and supposed to have been built by the Por-tuguese. There are some good houses within the fort; the depth of water at the landing place is greater than at Seehat, as before described, but even here very inconvenient. A market is held outside the south fort gate every Thursday… (( ).
وترجمته: >لقلعة القطيف ثلاث بوابات، ذات شكل مستطيل غير متناسق، والواجهة الأكثر طولاًً، التي باتجاه البحر، بها حصن في القرنة أو الزاوية الواقعة في أقصى الشمال، وهويتزوَّد من نبع ماء جيد، ويفترض أن تكون قد أنشئت من قبل البرتغاليين( ). توجد بعض البيوت الجيدة ضمن نطاق القلعة. وعمق الماء في مكان الرسو أعظم منه في سيهات، كما أشير إليه آنفًا، لكنه حتى هنا متعب جدًّا. خارج بوابة القلعة الجنوبية تعقد سوق كل يوم خميس<.وإلا فالمعروف أن بوابة القلعة الجنوبية يفصلها عن الجبلة الطريق الفاصل بين القلعة وفريق القفافيص، ثم فريق القفافيص، وخلفه من الجنوب عمارة الدهن، ثم قرية الشريعة بكاملها، وهذه تقدر مسافتها بما يقارب امتداد ثلاثة أرباع سوق السكة أو الصكة (قديمًا تسمى القيصرية)( )، حتى تصل جنوبًا إلى قهوتي الغراب، حيث بداية الجبلة من الشمال. هذه المسافة كلها تفصل الجبلة عن المكان الذي وصفه سادلير بأنه خارج بوابة القلعة، فلو كان بعيدًا عنها فالأرجح أن يورده في مكانه.
سوق الخميس ليست سوقًا واحدة
لقد كانت سوق الخميس تقام في أماكن متعدِّدة حسب أصناف السلع والمنتجات التي تعرض فيها، وتفصيل الأماكن التي كانت تعقد فيها سوق الخميس هي كالتالي:
1- الجبلة: كانت تجلب إليها وتباع فيها المواشي والجمال، وما تنجته من الجلود والصوف والأقط والدهن، والتمور والسلوق، والدبس، وحطب الوقود، والفحم، وفي بعض المواسم تجلب إليها الأشياء الخاصة بتلك المواسم مثل الجراد، والجذب (جُمَّارة النخلة)، والفقع والطراثيث (الطرافيف)، وهي تعمل طيلة أيام الأسبوع، لكن حركة البيع والشراء فيها تزداد يوم الخميس، وكان بها موظف يتبع متضمن الضرائب يستوفي ضريبة على الأغنام المباعة تسمى (الباج Bac)( ).
في الحقيقة إن الجبلة يمكن اعتبارها مركز المدينة الرئيسي، وبها أهمُّ وأشهر الأماكن؛ مثل المنصورية (مجلس منصور بن جمعة باشا، حاكم لواء القطيف في العهد التركي، ثم صارت مجلسًا لعبد الله القصيبي في العهد السعودي( )، والمقاهي مثل (قهوة المطلق وقهوة انْصيف)، في الجنوب الغربي، وقهوتَي الغراب في الشمال الغربي وأشهرهما قهوة الحاج صالح الغراب، إذ كانت ملتقى الأعيان، وكبار الشخصيات، والطواويش (تجار اللؤلؤ)، والُملّاك، والشعراء والأدباء، وشيوخ قبائل البادية. (انظر صورة الجبلة آخر المقال)
2- عمارة الدهن: يباع فيها دُهن البقر، والمصنوعات اليدوية؛ مراوح وحصر وسجاجيد، ومديد وأدوات الفلاحة كالسلال والسراريد والقُفف (القفيف)، والمكاييل والمراحل و(الزنابيل) (الزبلان، جمع زبيل)، والحبال، والمناجل والمحاش والكرارة، والمسنات (جمع مَسن: قطعة من الحجر يُسنُّ، أي يشحذ، بها المناجل والسكاكين)، ولوازم الحمير أقتاب وعدد وبراشيم وقلائد، وبديد وغيرها، ولوازم الحراثة العمد والصخن، والقداديم والمناجل، والقمح (النبات) في الموسم تأبير النخيل، ومنتجات النجارة: صناديق ودواليب وسحاحير، وبشتختات، وصدنقچات، وفواتي (الصناديق المبوتة)، ومصاخن، وقرَّابيات، وكرفايات، والمباخر المصنوعة من الخشب، وما شابه، والحبال، والخوص الملون، (خوص يصبغ بألوان مختلفة لصنع المراوح والسجاجيد. والظروف (أوعية من الخوص توضع بها التمر)، والبذور، والتتن، ولوازم النارجيلة والشيشة: بكاكير، نيابيچ، أقلام، بيادگير (أداة مخروضية من التنك بها ثقوب توضع على الجمر لإذكائه وحفظه عن التطاير)، والمناظر (جمع منظرة: مرايا كبيرة تزين بها جدران الغرف)، وبيض النعام، (كرات زجاجية ملونة تزين بها ستائر أسرَّة النوم، والمراش (جمع مرش) أباريق زجاجية مزخرفة لرش ماء الورد، إلى آخره. (انظرة صورة عمارة الدهن آخر المقال).
3- سوق البقر والحمير: تقام هذه السوق خارج سور بلدة الدبيبية الشمالي،قبالة نخل آل الحمالي (القسم الشرقي من سوق عامر بن ليل الحالية)، ويقتصر البيع فيها على الحمير والبقر، والخيول والعجول.
4 – سوق الدجاج: تقام في الزاوية الجنوبية الشرقية من نخل) الصبيخة أو الحرامة) غربي سوق السكة، (حاليًّا الركن الشرقي الجنوبي من مجمَّع الخنيزي التجاري الحالي)، ويقصتر البيع فيها على الدَّجاج والفراريج، والحمام والبيض.
5 – سوق الأقفاص: تقام في سوق القفافيص، خارج سور القلعة الجنوبي، قبالة فريق القفافيص من الشمال، على مدى الأسبوع، وتعتبر امتداداً لسوق الخميس العام التي، عناها سادلير، وتباع فيها مصنوعات الجريد: أقفاص الدجاج، والتختات (جمع تختة: توضع فيها شربات الماء)، والمنازّ (جمع منز: مهود الأطفال)، وكراسي الجلوس؛ (مصاطب مستطيلة مصنوعة من الجريد)، والصواخيب: جمع صاخوب (قفص مخروطي مستطيل مفتوح من الأعلى والأسفل، يستعمل لصيد السمك، وعملية الصيد بهذا القفص تسمى (ﮔُـنبار)، وهي تتم ليلاً أثناء الجزر، ويستعان فيها بالمشاعل، وشبيه بهذا القفص؛ مبخر من الجريد تبخر به الملابس.
6 – سوق الجرار، تقام في ساحة بين بلدتي المدارس والجراري، غربي سوق القت. وتباع فيها (المصنوعات الفخارية): حبوب، وجرار وبغال (جمع بغلة: نوع آخر من الجرار)، ومماخض (جمع ممخضة، وفي اللهجة منحصة: جرَّة خاصة بمخض اللبن)، وتنوگ وأباريق وقداوة وجحال، وكراريز، وذيغان وما شابه.
هذه أماكن انتشار سوق الخميس، كما أدركتها، فهي سوق كبيرة يجلب إليها ما تنتجه قرى القطيف كلها، وهي قرى كثيرة تبدأ من هجرة شعاب ومرفأ الجعيمة وصفوى وحزمها وما جاورها في الشمال والشمال الغربي؛ كأم الساهك وحزمها، وأبي معن وما جاورها: الدريدي والرويحة والخترشية، وفي الغرب الآجام حتى سيهات جنوبًا، يضاف إليها البلدات الواقعة في جزيرة تاروت، دارين والزور وسنابس وتاروت وقراها، وكذلك منتوجات البادية من الصوف والدهن والحطب، والجلود، والمنسوجات اليدوية: حنابل وبشوت، وبيوت شعر. الخ.
ولا غرابة أن تكون سوق الخميس بهذا الاتساع، فقد كانت القطيف مكتفية اكتفاءً ذاتيَّا، فكانت ترزع الرز الهندية والحنطة، والسمسم، وتصنع الأواني الفخارية، والجص، والنورة، ونسيج البشوت، وأردية النساء، (وهذه كانت موجود في البحرين حتى وقت قريب، ولعلها لا تزال مستمرة إلى الآن)، وكانت القلافة، (صناعة السفن) نشيطة فيها، بل كانت تصنع حتى المسامير يصنعها الحدادون، وحين استوردت السيارات، كانوا يستوردون هيكل السيارة (Chas-sis)، والمكينة، فقط، أما الصندوق فيصنع هما من الخشب (انظر صورة السيارة آخر الموضوع)، وبعض من عمل في الحرفة ما زلا موجودًا أطال الله في أعمارهم، وكانت تصدر التمور والسلوق، والليمون، وغيره مما يفيض عن حاجتها، كالطين الخويلدي، وشخصيًّا أتحمل مسؤولية هذا الزعم، فقد كنت موظفًا في دائرة خفر السواحل بميناء القطيف، ومسؤولاً عن تصاريح البضائع الصادرة والواردة.
هذا ما سمحت باستعادته الذاكرة من ذكريات هذه السوق، والذاكرة – كما لا يخفى – مركبٌ زلِق قد يعثر ويكبو، فالعصمة لله وحده.
صورة الجبلة وفي الركن الأيمن منها قصر المنصورية
صورة مدخل السكة (الصكة) أو القيصرية الشمالي المقابل لبوابة القلعة الجنوبية الغربية
مبنى بلدية القطيف في عمارة الدهن وشماليها النخل الواقع شرقي فريق القفافيص
صورة سيارة بصندوق خشبي مصنوع في القطيف