تحدثنا في صداقة النفوس ( ١ ) عن تعريف مبسط لصداقة النفس ، ومنافعها الكبيرة والتي تعود على الفرد بصورة مباشرة والمجتمع بصورة غير مباشرة بالخير العميم وعلى جميع الأصعدة ، ثم جعلنا مسك الختام للمقالة وذيلناه بسؤال صريح جلي واضح ، غير ملتبس ولا مبهم وكان كالتالي :
(فمتى سنعقد صداقة مخلصة خيرة مع أنفسنا؟)
وتركنا المجال لأعزائنا القرّاء للإجابة عن هذا السؤال التحفيزي ، وأعطيناهم الفرصة كاملة كي يدلوا بدلوهم ويلقوا ما في جعبتهم .
ربما فكر الكثيرون فيما لو قرروا عقد صداقة مع أنفسهم ، صداقة تظللها المودة العميقة ، ثم حددوا زمنا معينا للبدء في هذه العلاقة الرائعة ، فإنهم حتما سيواجهون علامات استفهام كبيرة ومتشعبة ومتفرعة ، وتحتاج إلى إجابات شافية، وخطوات عملية يمكن تنفيذها ؛ حتى يتمكنوا من تكوين تلك العلاقة الروحية ، ومن جملة تلك العلامات :
– كيف نستطيع أن نكون علاقة صداقة ناجحة مع أنفسنا ؟!
– ما هي الطرق والوسائل التي تعيننا على تحقيق هذا الأمر ؟
– كيف نجعل هذا البناء قويا لا تهزه المواقف ؟
وهذا ما سنجيب عنه في هذا المقال ، ولكن بشيء من التفصيل المطلوب والذي لا يمكن النفور منه أو تركه ، فالمقام يحكمنا أحيانا ، ولكل مقام مقال.
فدعونا نتحد ونفوسنا التّواقة إلى هكذا علاقة ، ولنبدأ من أول السطر :
حتى نكون ونبني ونؤسس لعلاقة صداقة رائعة مع أنفسنا ، لا بد وأن يسبق ذلك تنفيذ الخطوات التالية :
أولا : إعطاء هذه العلاقة – الصداقة مع النفس- الأولوية الحقيقية التي تستحقها ، فعلينا وقبل أن نكوِّن علاقات صداقة مع الناس أن نكوِّن علاقة صداقة مع أنفسنا ، فهي أولى بالتقديم ، ومن خلال نجاحنا فيها سننطلق لتكوين علاقات صداقة ناجحة مع الآخرين .
ثانيا : القراءة المتأملة والهادفة والمتفحصة في طبيعة النفس البشرية ، وسبر أغوارها ؛ لاكتشاف أسرارها وخباياها الكامنة فيها ، كل ذلك يسهّل علينا ابتداءً عقد صداقة ناجحة معها .
ثالثا : عليك بالتسامح مع نفسك ، وأن تتقبل أخطاء الماضي التي يستدعيها عقلك الباطن ، فلم يعد بيدك تغييرها ، وكما تتقبل أخطاء الآخرين وتسامحهم وأحيانا تجد الأعذار لهم ، فمن باب أولى أن تسامح نفسك وتفتح معها صفحة جديدة نقية بيضاء ، وتحلق بها عاليا إلى الأمام .
رابعا : قيم عيوب نفسك ثم قومها وعدلها وطورها إيجابيا بما يجعلك بكامل الرضا عنها .
خامسا : ثق في نفسك وقدرها ولا تقارنها بالآخرين، فأغلب تلك المقارنات تفتقر إلى العدالة ، فلكل ظروفه وشخصيته ومعاييره .
سادسا : عليك أن تسعد بإنجازاتك ونجاحاتك حتى لو كانت صغيرة ، فذلك يؤدي إلى تكوين علاقة صداقة ناجحة مع أنفسنا ومع الآخرين .
سادبعا : كن صادقا مع نفسك قبل أن تكون صادقا مع الآخرين ، فلا تخدعها ولا تجاملها إن أخطأت .
وأخيرا اختر نفسك عندما تكون لوحدك وامضِ معها وقتا ماتعا ومميزا وساحرا ؛ لتنعم بالهدوء الداخلي الذي تنشده وتتمناه !