الخروج إلى الداخل.. !

في حديث جانبي في إحدى الجلسات تطوع من جلس بجانبي للحديث عن سفره والعائلة حينًا أو منفردًا حينًا آخر لقضاء الإجازات في العديد من دول العالم شرقًا وغربًا وبراعته في اختيار مقاصده من هذه الجهات التي تراوحت بين بلاد أوروبية أو شرق آسيوية في معظمها والقليل القليل من البلاد العربية.

لقد أدهشني حديثه حقًا وربما ولّد لدي الرغبة في زيارة البلدان التي زارها أو زيارة معظمها بسبب ما رواه من قصص زياراته عن جمال الأماكن وروعتها سواء كان ذلك من حيث جمال الطبيعة وتنوعها أو المواقع والأماكن التاريخية، وكذلك الفعاليات السياحية وسهولة التعامل وطيب المعاملة في أكثرها.

وفي نفس الوقت قفز إلى مخيلتي سؤال طرحته على محدثي.. بعد أن استمعت منك إلى هذه القصص والحكايات عن الأماكن التي زرتها شرقًا وغربًا هل تكمل حديثك الشائق الجذاب بأن تحدثني عن الأماكن التي زرتها في المملكة لأنني شخصيًا أعترف بتقصيري في زيارة أنحاء الوطن مع أنني لا أجد عذرًا يمنعني من ذلك سوى المشاغل وهي نفسها التي منعتني من زيارات الأقطار الأخرى أيضًا فيما عدا دول الخليج العربية المجاورة طبعًا.

فوجئ صاحبي بالسؤال.. وتغير لونه وكأنه لم يسبق أن استمع لمثله قبل هذه اللحظة.. أو كأنه يكتشف الحقيقة أول مرة.. شرد ذهنه قليلاً قبل أن ينتبه إلى أنني انتظر الجواب وبدأ يحاول الاعتذار مع أن لهجته وتلكؤ كلماته وعباراته كانت تدل على أنه هو نفسه ربما لا يعتقد في سلامة الأعذار ووجاهتها..

لم أكن أتعمد إحراجه أبداً ولم يدر بخلدي أن من زار كل هذه الأقطار لم يزر أبها أو الطائف أو نجران أو مدائن صالح أو الأحساء أو الخرج أو جبال السروات ولم يتمتع بجمال جبالها ووديانها وغاباتها ولا باعتدال مناخها عندما يشتد لهيب الصيف في أنحاء المملكة (ولن أذكر مكة المكرمة والمدينة المنورة لأنه قد يكون ذهب إليها للعمرة والزيارة ولأن للحديث عنها منحى آخر مرتبط بقدسيتها وجلالها)، بل وفي سائر أنحاء الخليج الأخرى التي كنت أود أيضًا أن يكون لها نصيب من زياراته ليست إلى حيث ناطحات السحاب، بل إلى حيث الطبيعة والتراث التاريخي في العديد من الأماكن داخل المملكة وشقيقاتها من دول الخليج.

ومع ذلك فإنني كنت أتمنى أن يضيف أنه زار شيئًا منها وهو ما لم يحدث.. بصراحة كثيرون هم أمثال صاحبي وأشباهه الذين يعرفون عن بلدان العالم أكثر مما يعرفون عن وطنهم مع أننا بحاجة إلى التعرف على أنحاء وطننا، بل أبناؤنا الذين نصطحبهم لزيارة هذه الدول بحاجة أيضًا للتعرف على معالم الوطن وأنحائه، وربما لا يعرف صاحبي أن المرافق السياحية اليوم في كثير من أنحاء بلادنا ودول الخليج أفضل بكثير مما كانت عليه، وأنه وأفراد أسرته سيلقون ما يعجبهم وما يرضيهم، وأنه لو جرّب مرة واحدة فلن يندم، بل وغير بوصلته في المرات المقبلة.. ( ليسافر إلى الداخل إلى الداخل)، خاصةً بعد الجهود التي تبذلها الهيئة العامة للسياحة منذ تولي المسؤولية فيها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز بكل تصميم على التغيير للأفضل وجعل السياحة الداخلية جاذبة ليس فقط للمواطنين والمقيمين داخل المملكة فحسب، بل ولجذب الزوار والسياح الآخرين من كافة الأقطار وتسويق المناطق التاريخية والطبيعية في المملكة سياحيًا وتطوير الإجراءات الكفيلة بتسهيلها.

ولن أضيف أيضًا العديد من الأسباب الأخرى ومنها على سبيل المثال انعدام الأمن في بعض الأقطار هذه الأيام وهو سبب لا يقل أهمية عما ذكرت.

ربما يقول قائل: ينبغي الاعتراف وبكل صراحة بأن تجربتنا في مجال السياحة ليست تلك التجربة الطويلة، وأننا بحاجة إلى سنوات لتطوير هذا المجال.. وإن كنت لا أتفق تمامًا مع هذه المقولة خاصةً عند الحديث عن الحاجة إلى وقت طويل ويؤيد قولي هذا التحول السريع الذي حصل في بعض المناطق السياحية حاليًا خاصةً في منطقة عسير التي لم تكن بهذا المستوى الجاذب للزوار من حيث المرافق والخدمات، لكنها وعندما تحمّل المسؤولية فيها سمو الأمير خالد الفيصل انطلقت بسرعة هائلة إلى ما هي عليه الآن بدءاً من مطار المنطقة الذي تم إنشاؤه ليتناسب مع الإقبال المتوقع من الزوار والسياح وليس انتهاءً بالفنادق والمطاعم والاستراحات والأماكن الترفيهية الصالحة للعائلات والتلفريك وغيرها من المشاريع التطويرية التي جذبت ومازالت الزوار ليس من داخل المملكة فقط، بل ومن أنحاء الخليج العربي أيضًا.

هذا من حيث تجربتنا المحلية التي مازالت تحتاج إلى أن تقوم بوضع العديد من الأماكن والمواقع الطبيعية والتاريخية على الخارطة السياحية، وفي نفس الوقت هناك تجارب رائدة في أقطار أخرى مجاورة يمكن الحديث عنها في فرص مقبلة – إن شاء الله- حيث تمكنت الأردن وسلطنة عمان ودبي من توفير البيئة الجاذبة التي أدت إلى النمو المتسارع في الإقبال على زيارتها من سائر أنحاء العالم.

على أية حال.. ربما نختلف على الوسائل والخطوات، لكننا نتفق – بالتأكيد- على أننا يمكن، بل يجب أن نعطي لهذا المجال حقه من العناية والاهتمام.. اكتشفت الآن أن الكلام الذي قلته لصاحبي يجب أن أوجهه لنفسي أيضًا ألم يقل الشاعر:

يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم.

اليوم


error: المحتوي محمي