طالب الكاتب محمد الحميدي بإقامة تمركز ثقافي يبرز الحراك الثقافي في القطيف وينتهي إلى إيجاد البيئة الملائمة لتكوُّنِ مركزٍ يؤُمه الفنانون والمثقفون والأدباء، ولا يمكن لهذا التمركز أن يتم وينهض إلا على أكتاف مشروع شمولي، يشارك الجميع في رفده ما أمكن، مشيراً إلى أن العبء الأكبر يقع على عواتق رواد الثقافة والأدب والفن المبدعين، خصوصاً في البدايات التي عادة ما تكون صعبة ومتعثرة.
جاء ذلك في محاضرته الثقافية “الحراك الثقافي في القطيف”، والمنظمة من منتدى الخط الثقافي بالقطيف، يوم أمس الخميس 27 صفر 1439، بحضور نخبة من المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي في المنطقة.
استهلت المحاضرة التي أدار حوارها حسن آل زايد، بالتعريف بالسيرة الذاتية للكاتب محمد عبدالكريم الحميدي، عارضًا بعض إنجازاته الأدبية التي تنم عن مدى التوجه الذي يسعى إليه نحو النهوض بالجانب الكتابي الأدبي والثقافي.
وناقش الحميدي خلال حديثه واقع الحركة الأدبية والثقافية في المنطقة والقطيف على وجه الخصوص، معرفًا في بدء حديثه مصطلح المركز والذي من شأنه أن يكون جزءًا واحدًا مؤثرًا في طرف أو هامش أو أكثر، حيث أنه لا ينشأ من فراغ بل عبر تراكم مستمر يقضي إلى كينونته ذا تأثير، ونفوذ ولو بالرمزية.
وقارب مدلول عملية التمركز وفق اعتبارات ومفردات ثلاثة وبصفة متوالية؛ دينية وسياسية واقتصادية، مفصلاً كلاً منها، بناءً على المنهج الذي انبثقت منه، والعلاقة التي ترتبط بينهم، والتي أوجدت ثقافة تمثل هوية المجتمع وضمن مسيرة الأفراد، منذ بداية العهد الإسلامي إلى الوقت الحاضر، ومدى ردة فعل أفراد المجتمع حيالها.
وقدم الكاتب دراسة بحثية نقدية حول التمركز بشكل عام والتمركز الثقافي بصفة خاصة، والتحولات التي مر بها عبر تطور العصور الإنسانية، لافتًا أن الثقافة ليست اتصالاً بالماضي أو انفصالاً عنها بل إضافة إليه، والتي تكون بصورة متغيرة ومتجددة، وهذا ما وجد في الثقافة العربية التي شهدت أطوار ثقافية بدأت من جاهليتها في تذوق الشعر والإعلاء من شأنه، ومع تطورها ودخول المجالات الأخرى من مقامات وقصة ونشر، إلا أن الشعر يظل له وهجه، أثره، مكانته داخل الثقافة العربية.
وتحدث بإسهاب عن قضية الحراك الثقافي في المنطقة “القطيف، الأحساء، البحرين”، جامعًا الثلاثة ضمن ثقافة واحدة متداخلة من الناحية الجغرافية كما تحتوي على تمازج سكاني مع بعضها، أي بالصورة التي يمكن أن نسميها تمازج، حيث تصل إلى التداخل التام واعتبار الثقافات الأخرى معها ثقافة واحدة.
وفسر الحميدي الأسباب التي دعت إلى تفوق الشعر عن الفنون الأدبية الأخرى، إذ نجد على حد قوله: “إن الشعر قديم قدم الإنسان العربي، تتناقله الألسنة وتحفظه الذاكرة وتعيد تكراره إلى أن تمتلئ به النفس وتستشعر معانيه، وما يحدث في المشرق أو المغرب يصلنا شعراً، يتمازج مع ذواتنا، نلتحم به، توثق صلتنا بكلماته، وأوزانه، وقوافيه، نأخذ في الترنم بالأبيات المفردة أو الأجزاء من القصائد أو حتى القصائد الكاملة، وفي غمرة هذا الالتحام تتفجر المواهب الشعرية الدفينة في داخل البعض، فالبيئة بيئةٌ حاضنة وداعمة لهذا النوع من الإبداع، تطلبه، تسعى إليه، لا تكتفي منه”.
وعزا ذلك إلى ثمانية عوامل حاز منها على الصدارة: اتصال الأدباء بالشعر العربي المكتوب والمسموع، وتناقل الثقافة بصورة المراسلات الشعرية، كما أن الدراسة النظامية الأكاديمية حيث الاتجاه إلى الجامعات بغرض الدراسة والتعرف على الجديد في مجال العلوم والمعارف، بسبب ازدياد عدد الدارسين وارتفاع منسوب الثقافة ازداد الاهتمام بالأدب وأشكاله التعبيرية ومدارسه الفنية.
وحمل انفتاح الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع جزءاً من ذلك فأصبح الأدباء والفنانون والشعراء والقصاص والمسرحيون يجدون ترحيباً من وسائل الإعلام التي احتفت بهم وبإبداعهم على مستوى الدولة أو على مستوى الوطن العربي، بالإضافة إلى طموح البعض في الحصول على الجوائز من مختلف الأقطار من المسابقات الفنية والأدبية، مستشهدًا ببعض الكتاب مثل زكي الميلاد والمصور محمد الخراري والشاعر ياسر آل غريب.
ولفت إلى كثرة المنتديات الثقافية إذ نجد في المنطقة عدداً لا يستهان به فنجد أعضاءهم يشاركون في أكثر من منتدى، والمناطقية لا تحد من الفائدة المرجوة لهذه المنتديات والجماعات وإنما هي تعمل على تنظيم وتسهيل تواصل أعضائها وزيادة التركيز على جانب محدد كالشعر مثلاً أو القصة أو المسرح.
ثمن بعض المشاريع الثقافية وعلى رأسها مشروع الكاتب حسن آل حمادة في نشر التوعية بأهمية القراءة والدعوة لإدراجها ضمن النشاط اليومي، متسائلاً عن آفاق المشروع وهل هناك ما يمكن إضافته من أجل اكتماله إذا كان يعاني من نقص في جانب من جوانبه؟ مجيبًا على ذلك بقوله: “نجيب على السؤال بأن الأفق واضح وهو إنتاج مجتمع قارئ يبحث عن الكتاب ويمارس فعل القراءة كاعتياد وليس اضطراراً كالبحث عن معلومة ما، أو لغرض الدراسة، أي بمعنى بسيط تحويل المجتمع من حالة الركود الثقافي إلى حالة المقروئية والمناقشة الجادة الواعية”.
وأوضح الكاتب الدور الذي تبذله دار أطياف للنشر والتوزيع بالقطيف والجهود الكبيرة التي يبذلونها لتذليل الصعوبات على الكتاب والمؤلفين، شاكرًا الجهد المبذول من القائمين عليها بقيادة السيد عباس الشبركة، واصفًا عمله بالرائد والجبار بكل المقاييس مع أن الطموح أكبر من ذلك ما دمنا نرغب في تحويل المنطقة إلى بؤرة الاهتمام والتركيز من قبل المثقفين والأدباء في بقية أرجاء الوطن العربي.
ونوه إلى ما يصادف دار أطياف من صعوبات هو غياب المشاركات أو قلتها مع دور النشر الأخرى فلكي يتم نشر الثقافة ينبغي تنمية الشراكات مع دور النشر الأخرى عبر التبادل للكتاب الجيد، كما أن طباعة الكتاب أصبحت في متناول اليد، ولكن إيجاد الكتاب الجيد المفيد أصبح أكثر صعوبة.
قدم في ختام حديثه بعض الملاحظات والحلول التي تعالج القصور الحاصل، حيث ذكر منها أننا نفتقد في منطقتنا لفهرس ببليوغرافي يضم أسماء المبدعين الحاليين وإنتاجاتهم لسهولة الوصول إليهم وهذا سيفيد في الدراسات والبحوث والمقالات التي ستأتي كعمل لاحق، بالإضافة إلى أنها مفيدةً في حفظ وتوثيق تراث المنطقة وتعتبر من الأمور المهمة في تكوين التمركز الذي أشار إليه في البداية وتساهم في الوصول والتواصل مع المؤلفين وإقامة الدراسات والبحوث والندوات حول إنجازاتهم.
ودعا الى الاستفادة من الناحية الإعلامية والتسويقية لأدباء المنطقة وشعرائها وفنانيها، لما لوسائل التواصل ونقل الأخبار من أهمية بالغة اليوم، وعليها الاعتماد الكبير في نشر الثقافة وإظهار الجوانب الإيجابية، موصياً بمحاولة تجاوز المحلية والانطلاق إلى آفاق أرحب.
وختمت المحاضرة بمداخلات الحضور التي وقفت على توضيح بعض المحاور التي ناقشها الكاتب، بعدها كرم مدير منتدى الخط الثقافي فؤاد نصر الله الكاتب الحميدي وقدم له الشكر على ما قدمه من معلومات تنهض بالحركة الأدبية في المنطقة.