وفقًا للتجارب التاريخية فإن التحولات الكبرى التي شهدها التاريخ البشري (وتاريخ المجتمعات الإنسانية كافة) في مختلف محطاته ومستوياته الحضارية، وعلى الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية كافة، لها عواملها الموضوعية والذاتية في علاقة جدلية مترابطة ومتداخلة ما بين الخاص والعام؛ إذ إن الخاص هو شكل لتجلي العام.
تلك التحولات الكبرى التي شهدتها البشرية كان ينظر إليها في بداياتها على أنها أحلام وأفكار متعالية على الواقع (يوتوبيا).
الجديد اللافت في كلمة سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في جلسة مؤتمر مبادرات مستقبل الاستثمار ومشروع نيوم «المستقبل الجديد» الذي استضافته الرياض هو حديثه عن (الحلم السعودي) الذي يستند في تقديره إلى ركائز قوية، تتمثل في الشعب السعودي، وبالأخص عنصر الشباب تحت سن 30 عامًا، الذين يشكلون نسبة 70 % منه، مختصرًا المشروع بأنه «موقع ومكان للحالمين بعالم جيد.. نريد أن نحجز مكانًا في المستقبل».
الجدير بالذكر أن مشروع نيوم عبارة عن منطقة خاصة، سيشتمل على أراض داخل الحدود السعودية والمصرية والأردنية بتكلفة تتجاوز 500 مليار دولار، يتم تمويلها بالشراكة بين صندوق الاستثمارات العامة ومستثمرين محليين وعالميين. وتقع منطقة نيوم شمال غرب المملكة على مساحة 25.500 كم مربع.
وما أود التطرق إليه هنا هو تأكيد سمو ولي العهد أن «المشروع سيهدف إلى التعايش مع العالم، وسنقضي على بقايا التطرف، كما نعود للإسلام الوسطي المنفتح على العالم والأديان. ومشروع الصحوة لم ينتشر لدينا إلا بعد 1979. ولن نضيع 30 عامًا أخرى في التعامل مع الأفكار المتطرفة».
إزاء ظروف الواقع بكل تعقيداته، وتحديات ومتطلبات المستقبل المرجو لوطننا الغالي، ليس مقبولاً من أحد المراوحة، الفرجة، والتقاعس تحت أي عنوان ومبرر؛ من هنا يتعين على الجميع الوقوف صفًّا واحدًا (مع الدولة والوطن) إزاء الإرهاب والفكر المتطرف الذي يقتات منه بتجلياته المختلفة، من أجل إلحاق الهزيمة الماحقة والنهائية لمخططاته الشيطانية.
التجربة الواقعية تفيد بأن المواجهة والمعالجة الأمنية لا تكفي وحدها هنا، رغم الكفاءة العالية لأجهزة الأمن في مقارعة الإرهاب التي هي مبعث فخر واعتزاز للجميع، وعلينا أن نتذكر دائمًا أنه بفضل جهودهم وتضحياتهم المتميزة حفظت ثروات وموارد ومقدرات الوطن، وقبل كل شيء أرواح الآلاف من المواطنين والمقيمين، غير أن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها، هي أن الإرهاب يتناسل ويتجدد ويطل برأسه من جديد، رغم كل تلك الجهود والتضحيات الخيرة.
هزيمة الإرهاب والفكر المتطرف بصورة نهائية تتطلب وضع الفأس عند الجذر، وذلك من خلال تجفيف منابعه وحواضنه المادية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والفكرية كافة، وتجريم أية أطروحات أو ممارسات إرهابية.
من المهم التصدي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية الجدية، ومن بينها الفقر، البطالة، الفساد، المحسوبية، الغلاء، والعمل على تطوير وتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني، إنهاء طابعه الريعي، وتحديث التعليم والمناهج وطرق وأساليب التدريس التي اعتمدت على النقل والتلقين، وعملت على خلق أجيال لها رؤية واحدة وتفكير واحد، ورفض أي آراء أخرى وتسفيهها وتكفيرها، وذلك من خلال اعتماد معايير التفكير النقدي الحر وقيم العقلانية، التنوير، الاستنارة، الشفافية، والتعددية ضمن ثوابتنا الدينية والوطنية.