عندما ندرس سيرة أئمة الهدى (عليهم السلام) علينا أن ندرسها دراسة المتأمل والمتعلم ، لنستخلص منها أهم الدروس و العبر التي تفيدنا في مسيرتنا وحياتنا اليومية.
وتمثل حياة الإمام الحسن (ع) نموذجاً رائعاً في جميع المجالات (التربوية والثقافية والأخلاقية، والروحية، والسياسية)، وكانت له في كل مجال منهجية خاصة كان لها دورها في علاج قضايا الأمة.
وأحد هذه المجالات المهمة، المجال الأخلاقي وكيفية التعامل مع الناس، فكانت مواقفه بمثابة دورات تعليمية وتدريبية، فكان يمثل الخلق الكريم، والتسامح والمحبة والرحمة والعطاء، حتى عرف بـ (حليم أهل البيت)، وقد شهد بهذه الصفة ألدّ أعدائه ، فقد رويأن مروان بن الحكم قد شارك في حمل جثمانه (الإمام الحسن) الطاهر واستغرب منه الحسين (عليه السلام) قائلاً له: أتحمل جثمانه وكنت تجرّعه الغصص؟! قال مروان: كنت أفعل ذلك بمن كان يوازي حلمه الجبال (1).
حلمه مع الشامي
روى المبرّد وابن عائشة: أنّ شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلما فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلّم عليه وضحك، فقال: (أيها الشيخ! أظنّك غريباً؟ ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسَوْناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً).
فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ…(2)
ما أروعه من تعامل، وما أحوجنا إلى دراسة هذه الحادثة لنتعلم منها دورة تدريبية في مجال (التعامل مع الشخصيات الانفعالية) من خلال النقاط التالية:
أولاً: كن حليماً
قيل للإمام الحسن: ما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس.
علينا أن نربي أنفسنا على (الحلم) والقدرة على إدارة مواقف الغضب والتشنجات، علينا أن نتعلم القدرة على السيطرة على الذات في المواقف المتشنجة، وأن لا ننفعل لأي موقف نتعرض له، علينا أن نزن الموقف بميزان العقل، والتفكر في النتيجة، وما يتطلبه الموقف من تصرف سليم.
كن حليماً و لا تطلق العنان لذاتك لتدمر كل من حولك حيث يقول الإمام علي (ع): «الغضب شر إن أطلقته دمر» .. كن حليما تكن أقوى الناس حيث أن (أقوى الناس من قوي على غضبه بحلمه) كن حليما لتنال ثواب الأبرار (إن كان في الغضب الانتصار ففي الحلم ثواب الأبرار )(3)
ثانياً: فن التعامل مع الشخصية الانفعالية
ما هي الشخصية الانفعالية؟
صاحب الشخصية الانفعالية هو عبارة عن شخص لا يستطيع أن يتملك أعصابه أو أن يتحكم بكلماته في الأوقات الحرجة، فهو يثور ويغضب لأبسط الأشياء، وهو كثير الانفعال والتشنج لأتفه المواقف.
نقاط سريعة للتعامل مع الشخص الانفعالي:
· أعرف الطرف الأخر، أعرف الظروف المحيطة بهذه الشخصية.
· أصغ إليه جيداً لكي تمتص انفعاله و غضبه.
· حافظ على هدوئك معه دائماً و لا تنفعل أمامه.
· لا تأخذ كلامه على أنه يمس شخصيتك.
· تمسك بوجهة نظرك و دافع عنها بقوة الحجة و البرهان.
· أعده إلى نقاط الموضوع المتفق عليها.
· استخدم معه المنطق و ابتعد عن العاطفة.
· تعامل معه بروح إيجابية، عاشره بالحسنى … عاشره بالجميل من القول والفعل، قال الامام الحسن (ع): «رأس العقل معاشرة الناس بالجميل»
عواقب الشخصية الانفعالية
إن التصرف بانفعالية ينتج عنه كل سوء، فهو يضيّع كثيراً من الفرص، سواء على صعيد العمل أو الأسرة، ويفسد العلاقات مع الآخرين.
كما “الانفعال لا يمنح الغاضب شعوراً بالراحة والطّمأنينة، كما قد يتخيّل الغاضب في أغلب الأحيان، بل على العكس، فقد يشعر بالذّنب وتأنيب الضّمير”.
لذا حريٌ بالإنسان أن يربي نفسه على هذا الخلق الجميل، فيتعامل مع الناس بالرفق و اللين، متفهماً شخصيات الآخرين، ضابطاً لذاته، يوجهها لكل خير، متفكراً في عواقب تصرفاته إن كانت انفعالية، ليكون أسعد الناس.
الهوامش:
1 / أعلام الهداية الإمام الحسن المجتبى
2 / المصدر السابق
3 / غرر الحكم ودرر الكلم