{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا}، مقطع من آية من سورة يوسف عليه السلام، ورد في القرآنِ الكريم. الآية تسرد كيف تمت إدانة امرأة العزيز والإشارة إليها بالأصابع على أنها هي المذنبة وليس يوسف عليه السلام، بشاهدٍ ودليل لا يحتمل الكذب! قبلَ عزيزُ مصر الحكمَ الدقيق في كون قميص يوسف قدّ من الخلف وليس من الأمام، وأثبتت الوقائعُ التالية أن يوسف عليه السلام كان بريئًا وهي – امرأة العزيز – كانت مذنبة!
يكمن جزء من جمال البرهان في كونه آتٍ من شاهدٍ قريب، “من أهلها”، مع اختلاف المفسرين في من هو الشاهد بالتحديد، هل كان أحد المستشارين أو طفلًا رضيعًا من أَقارب امرأة العزيز! وبنقلةٍ سريعة إلى حاضرنا المعاصر، ما أكثر ما يقال من الأقارب عن بعضهم بعضًا، ومهما يكن الدافع يؤخذ على أنه دليل دامغ لا يقبل الشكَّ أو البطلان! فإذا كتب شخصٌ شيئًا في مواقع التواصل عن آخر لصيق به أو ذي علاقة “يجب” أن يحتمل الصدق وإن كان كاذبًا، قال عنك أحدهم كلامًا في حضور آخرين، إذًا يؤخذ على أنه صادق ولا يطلب منه البرهان ثم تسري الشائعةُ مثل النّار في الهشيم!
ما أكثر ما يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي من حكاياتٍ يتامى ليس لها آباء ولا أمهات، على أنها حكايات صادقة فقط لأن من كتبها من العائلة أو من أفراد المجتمع ذاته “المعروفين”، لغرض التشويق والإثارة والبلبلة، مع أن القاعدة هي {فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}. لا يجب أن نأخذ بما لا يطابق الواقع من أي جهةٍ جاء؛ من قريبٍ أو بعيد، وإلا فالنتيجة هي الندم ولاتَ حينَ مندم!
يتفق أن قريبًا يحيك حكايةً باطلةً عن قريبٍ آخر أو صديقًا يكتب عن صديقه أو كاتبًا يكتب عن أهل “ديرته” بما ليس فيهم؛ كل هؤلاء – مثلهم مثل غيرهم – يجب فحص وتمحيص ما يقولون ويكتبون ويمكن ضمه تحت الأمر التحذيري: {فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}.
الظلم كلّ طعمه علقم إلا أن ظلم ذوي القربى أشد مرارة من غيره، فكما يقول الشاعر طرفة بن العبد:
وظلمُ ذوي القربى أشد مضاضةً ** على النفسِ من وقع الحسامِ المهنّدِ
ظلم ذوي القربى لبعضهم ليس بالضرورة بالضرب ونهب المال، إنما يكون بعضه بالقيل والقال والتجنّي دون حجة أو إثبات. فإذا سمعت حكايةً باطلة من قريب عن آخر، حكايةً عن مجتمع أو فئةٍ من الناس من واحدٍ منهم، فلا تقل: أنت مصيب! طالب بالدليل والبرهان! تذكر أن ليس في كل الحالات – إنما في بعضها – يكون من الأقارب من هم أشدّ فتكًا من العقارب!