جرت العادةُ في المجتمعات – ومنها مجتمعنا – أن حالما تجري صيغة الطلاق تخرج المرأةُ أو تُخرج من بيتها مباشرةً – أو قبل ذلك – وفي حال قلّ احترامها من قبل الزوج تُبعثر حاجياتها في عجلة وكأنها شيء أصبح ضارًّا لا بد أن يتم التخلص منه على عجل، فهل هذا هو ما أوصى به الله؟
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا}.
يقرر الله في الآية السابقة حكمًا يتعلق بالأزواج والزوجات، فيقول تعالى: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن! بينما لا يلتزم أغلب الناس بهذا الحكم عند الطلاق حيث يُخْرِج – أو بالأحرى يطرد – الرجل المرأةَ من بيته بمجرد إجراء صيغة الطلاق، والمرأة نفسها تخرج من بيت زوجها وتعود إلى بيت أقاربها، ويعتبر عيبًا أو شذوذًا خلاف ذلك – إن حصل أصلًا!
لهذا الحكم فلسفة كبيرة في إظهار احترام المرأة والأهم أنه يعطي مساحةً لأطراف النزاع أن يتذكروا الساعاتِ الجميلة ويهيئ لهم الفرصة في مراجعة أنفسهم دون تدخل الآخرين. إن عدم الالتزام بهذا الحكم الإسلامي الرائع يسبب حالة من الانفصال الدائم بينما في حالات كثيرة بعدما تهدأ المعارك وينجلي الغبار، من الممكن جدًّا الرجوع إلى الصلح والعودة إلى الزوجية مجددًا.
لهذا الحكم استثناءات تذكرها الآية الكريمة وهي قليلة جدًّا ومحددة {إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}.
اليوم ونحن نبحث عن حلول لمشكلة الطلاق؛ كم امرأة تبقى في بيتها بعد الطلاق؟ كم رجل يحترم المرأةَ ويعطيها حرية البقاء في بيتها دون مضايقة من أجل مراجعة الذكريات ولمّ الشمل مرة ثانية؟ ما هي الوسائل لتطبيق هذا الحكم المتروك لقرار الزوج والزوجة؟
أظنّ أنه ليس وهمًا ولا خيالًا أن في هدوء الليل وصفاء الذهن يتذكر الزوجُ والزوجة الساعات الحميمة وتسري بينهما المودة من جديد! بينما في حال ذهب الزوجُ في طريق وذهبت الزوجة في طريقٍ آخر تبدأ مرحلة النسيان وإغلاق الملفات بصورة نهائية في الأعم الأغلب. إن البقاء في دار واحدة خاصة مع وجود الأطفال، قد يكون دافعًا قويًّا للرجوع عن قرار الطلاق والعودة للحياة الطبيعية من جديد {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا}.
ماذا يمنع تطبيق هذا الحكم الواضح؟ لعلها العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية!