عندما خلقنا الله -عز وجل- فقد سربلنا بأطواق عديدة من النعم التي تُحيط بنا من كل جانب، فالبعض منها نشكره عليها لأنها ملموسة بالنسبة لنا فقد تكون أمنية قد تحققت أو بلاءً قد اندفع عنا أو دينًا قد انقضى، وهناك بعض آخر من النعم التي قد نسهو عنها، ليس لعدم معرفتنا بها وحسب بل لأننا قد نكون اعتدناها وعددناها مسلمات متجددة كل يوم وأصبحت من عداد النعم المنسية.
وإحدى تلك النعم المتجددة كل يوم التي لولاها لما هنئت لنا معيشة ولا غفي لنا جفن ولا استقر لنا مضجع، وقد عبر عنها الشاعر المعولي في أبياته:
إن كنت قد عدت إلى العافية فإننا في عيشةٍ راضِيَة
إنْ بتَّ في صحةٍ ناعمًا فإننا في لذةٍ صافِيَة
إن نعمة الصحة والعافية التي تتجلى في صحة البدن وسلامة النفس وراحة البال هي من النعم التي ألفنا وجودها كل يوم والبعض قد لا يدرك أهميتها حتى تُسلب منه، فيجري حينها خلف كل الحلول وينفق كل ما لديه ويتعلق بكل الآمال ويتبع معظم الآراء حتى اللا منطقية منها أحيانًا سعيًا لاستردادها لتهنأ له المعيشة من جديد.
ففي خلال يومي اعتدت بطبيعة عملي أن أستمع لشكوى المرضى وآلامهم ولكل منهم قصة منفردة عن مرضه وأسباب معاناته وقد تنوعت ردات فعل كل منهم لتقبل وجعه فمنهم من هو متعايش وإن كان يبحث عن الحل ومنهم من جزع من شدة وطول الألم ومنهم من جعل العزلة رفيقه ومنهم من خارت قواه من التردد على مختلف الأطباء ومنهم من وجد أن مرضه ابتلاء ومنهم من اقتنع بأنه نعمة.
فأدركت مع الأيام ومع كل التجارب العملية أن العافية هي من إحدى النعم المجهولة التي قد نكون ألفناها فنسيناها وقد نهملها من غير وعي وإدراك منا حين تأخذنا الحياة في زحامها وهذا ما عبر عنه أمير البلغاء الإمام علي -عليه السلام- في قوله: “نعمتان مجهولتان؛ الصحة والأمان”.
فقد يكون في اعتقادنا أن الشكر اللفظي فقط لله هو ما سيحفظ النعمة من الزوال متجاهلين أن هناك شكرًا عمليًا أيضًا يجب أن يكون في سياق واتساق مع الشكر اللفظي الذي نردده بألسنتنا.
فعندما منّ الله تعالى علينا بنعمة العافية أمرنا أن نحافظ عليها ولا نستهتر بها ولا ننتظر أن تُسلب منا حتى نُقدرّ قيمتها ونبحث عنها لنعده بأننا سوف نراعيها مجددًا.
ولهذا فلا بد أن نراعي صحتنا الجسدية والنفسية ونترفق بها وتكون لدينا من محطات الاهتمام فذلك هو الشكر العملي لله على هذه النعمة المتجددة كل يوم.
ومن الأمور التي علينا أخذها بعين الاعتبار:
• عدم إهمال أي عارض صحي حتى لا يتفاقم مع الوقت فقد يكون علاجه في بادئ الأمر بسيطًا جدًا.
• الاهتمام بالفحوصات الدورية والسنوية حتى لو لم يكن هناك عارض صحي فهذا لا يقتصر على كبار السن فقط وإنما حتى على البالغين.
• اتباع أسلوب حياة صحي ومتوازن فيصبح جزءًا من عاداتك وليس شيئًا ملزمًا باتباعه لفترة مؤقتة فقط.
• عدم النظر لممارسة الرياضة على أنها عبء أو واجب وإنما هي تجدد طاقة وبناء وسعادة وحياة.
• الاهتمام بسلوكيات ونهج العادات الغذائية منذ الصغر فهي رصيد لصحتك، فكما يقال: “الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء”، وهذا لا يعني اتباع نظام غذائي صارم طوال الوقت وإنما الوعي والتوازن الصحي في أسلوب تناول الطعام والخيارات الغذائية.
• متى ما لاحظت الإرهاق الجسدي فلا بد من إعادة تنظيم وجدولة المهام والمسؤوليات اليومية من جديد.
• ومتى ما استشعرت الإرهاق الذهني فلا بد من التراجع خطوة قليلًا للوراء وتخصيص مساحة شخصية من الوقت مع نفسك حتى تحصل على قسط من الراحة للتجديد.
• العناية بالصحة النفسية كعنايتنا بصحتنا الجسدية فهما وجهان لعملة واحدة فلا تضيق العيش على نفسك وترفق بها فقد يكون أحيانًا الحزن والألم والمعاناة نصيبًا بينما تجاوزه واستشعار السعادة قرار، فالحياة ما هي إلا لحظة فاترك تدبيرها لمن تدبيره أحسن من المخلوقين.
ولنتذكر دائمًا أن البعض في هذه الحياة قد ينام براحة ويصحو على ذلك بينما البعض الآخر قد ينام على راحة أيضًا ولكن يصحو على عكس ذلك فقد يوقظه زلزال من الألم يسلبه الراحة بعدها فلهذا كل ما علينا فعله مع أول نفسٍ ورمشة عينٍ عند استيقاظنا كل صباح أن نحمد الله تعالى بتلك الكلمات البسيطة ونعمل على غرارها حتى لا تٌسلب منا هذه النعمة المتجددة على حين غفلة: (الحمد لله الذي جعلني بنعمة الصحة والعافية أحيا) حتى لا تكون من النعم المنسية التي ذكرنا حمدها لفظًا ونسينا شكرها عملًا..
دمتم بصحة وعافية ونعمٍ متجددة بالشكر كل يوم..
اختصاصي أول عظام علاج طبيعي: هبه الحبيب