عندما يذهب المريض إلى الطبيب ويشكو إليه من ألم أو عرض ألمّ به فعادة ما يأمر الطبيب بأخذ عينة من دم ذلك المريض أو صورة أشعة لأحد أعضاء جسمه، حتى يستطيع أن يشخّص الحالة المرضية، ويصف له العقار الدوائي الذي يحصل عليه من الصيدلية، ورغم تقبل المريض وصفة الطبيب العلاجية والتي قد لا يستطيع الجسم تحملها، فالسيناريو المحتمل بعد الكشف والفحوصات هو تماثل المريض للشفاء التام وعودته إلى سابق عهده الذي كان عليه قبل أن يصاب بالمرض، إلا أن كل تلك الوسائل الطبية لم تساعد المريض ليتغلّب على معاناته ويعود إلى حالته الطبيعية، ولم تحدث الوصفة الدوائية أثرًا إيجابيًا، وهناك سببان لذلك، أحدهما هو الالتباس في الفهم والأفكار المتضاربة حول كيفية التعامل مع المرض، والثاني الاعتماد في التشخيص على أمور تجارية، لذلك تحولت معظم الأمراض التي يصاب بها الإنسان إلى أمراض مزمنة، ليس لها حتى الآن علاج شافٍ، وتحولت الصحة في السنوات الأخيرة إلى قضية بالغة التأثير في حياة الإنسان، والذي يهمنا هنا هو ذلك الالتباس وتلك الأفكار المتضاربة في التشخيص والصراع المستمر في كيفية التعامل مع المرض بين الطب الحديث وأنصار العلاجات البديلة، فالطب الحديث ينظر إلى المريض على أنه جسم يشكو من عرض معين أو سلسلة أعراض إذا اجتمعت معًا يعدّها الطبيب مرضًا يجب علاجه، بينما الواقع يقتضي إعطاء الجسد فرصة لتصحيح وضعه بقدراته الذاتية، كون جسم الإنسان لديه نظام دفاعي مذهل ورائع يقف المرء أمامه مبهورًا، فلو أراد عدد كبير من البشر أن يحموا مكانًا ويحصّنوه لما استطاعوا أن يفعلوا ذلك بهذه الكيفية. يحدث ذلك في حال انتصار مناعة الجسم ونجاحها في القضاء على مسبب المرض، ويرى علماء الطب البديل أن الأعراض التي تظهر على الجسم هي اختلال الاتزان الطبيعي للجسم، وأن أصل جميع الأمراض واحد ولو تعددت الأسباب، ولا يعد التخلص من الأعراض علاجًا للمرض كما يراها الطبيب التقليدي بل يقمعها، بينما المفترض أن هذه الأعراض ستساعد الطبيب على الوصول إلى السبب الحقيقي لظهورها، وهو ما يتطلب البحث عن مصدرها بدلاً من التخلص منها، من هنا رأينا أن معظم المرضى الذين يترددون على المستشفيات يعانون من أمراض مزمنة التي لم تكن موجودة بهذه النسبة منذ فترة ليست بالبعيدة. ولم تحظَ حتى الآن بدواء يعالجها، والكثير منهم فقد الأمل في الشفاء، وهذا يؤكد أهمية الشفاء التلقائي، هذه الوصفة التي ترافق وتدعم تلك القدرة الرائعة والتي تتمثل في تعزيز مناعة الجسم وتقوية قدراته الدفاعية والهجومية.
المتخصص في العلاج بالطب البديل يرى أنه لا يجوز التدخل في شؤون الجسم وإنما مساعدته للتغلب على مشاكله وفقًا للشروط والقوانين التي وُضعت فيه عندما خلقه الله عز وجل؛ وبناء على هذا المبدأ، يجب أن يكون المريض هو سيد العلاج وليس الطبيب، كما أن الذي يجب أن يقوم برعاية العلاج ليس الطبيب أو الممرضة، بل المريض نفسه هو الذي يرعى حالته طوال الوقت، لأنه أعرف الناس بتفاصيلها وبالتالي يستطيع علاجها، معنى ذلك أن العلاقة بين الطبيب الطبيعي والمريض تقوم على التعاون الكامل، فالطبيب يعتمد على المريض اعتمادًا كليًا من أجل الوصول إلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ظهور الأعراض، ودون مشاركة فعلية من المريض لن يتمكن الطبيب من علاج هذه الأسباب. إن ما نراه اليوم عكس ذلك تمامًا، فالطبيب التقليدي لا يبحث عن سبب المرض، كونه يركز في العرض ليخفيه، بينما المطلوب من الطبيب أن يبحث عن الأسباب الحقيقية وراء الأعراض المرضية، فلو عندك مثلًا تلوث جرثومي في الساق فعليك معالجة ذلك الالتهاب – نعالجه بالمضادات الحيوية – ولكن هذا الالتهاب قد يصيبك بالحمى، ولكن هذه الحمى ليست المرض ولكنها عرض للمرض، هذا ما فعلناه لمرضى السكر النوع الثاني أيضًا، نحن نعالج ارتفاع سكر الدم، ولكن ارتفاع السكر ليس مرضًا بذاته، وإنما هو مؤشر لوجود السكري الذي يقود لعدد من الأمراض. كثير من الأشخاص أصيبوا بأمراض في فترة من فترات حياتهم، وهذا ما يحتّم عليهم معرفة التبدلات التي تطرأ على أجسامهم، وأن يعرفوا كيف يتداركونها ويعالجونها. إن المبدأ هو دائمًا كيف نقهر المرض، وحده البحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الأعراض المرضية، فالصداع المزمن مثلاً يتم علاجه في الطب الحديث عن طريق الأدوية المسكنة للآلام، ولكن المختص في العلاج الطبيعي يبحث عن الأسباب الكامنة وراء الصداع ويحاول أن يعالجها، ليظل الجسم قادراً على المقاومة ويعطيه القدرة على الدفاع ضد المرض. ارتفاع الحرارة أو ضغط الدم أو سكر الدم أو الكوليسترول أو الصداع، بمثابة ردة فعل فسيولوجية، وجزء من منظومة دفاعية كبيرة تقدح زنادَها أجهزةُ الجسم، وتظهر في صورة سلسلة من التفاعلات المعقدة التي تتوالى تباعًا. وهو استجابة طبيعية تبديها الأنسجة التي تهبّ للدفاع عن أجسامنا عقب تعرضها لأي شكل من أشكال الأذى، بغية التخلص منه وكبح جماحه. وما أكثره – الذي يعترض سير الحياة الطبيعية، أيًا كان نوعه.
بالرغم من أن القدرات الطبيعية الموجودة في الجهاز المناعي تلعب دورًا مهمًا في القضاء على مسببات الأمراض، إلا أن هناك بعض الحالات المرضية – ولا سيما القوية منها – قد تستدعي تقديم بعض الدعم العلاجي لها بغية مساعدة الجسم في القضاء على مصدر الأذى الذي أحاط به. وفي مقابل ذلك يمكن أن تؤدي سُمَّية الأدوية والعلاج الكيميائي إلى مضاعفات خطيرة تجعل الكثير من الناس يتخذون قرارات أفضل لصحتهم مثل قرار العالم والباحث في بيولوجيا الخلايا الجذعية “ستيفن مينجر” ترك وظيفته في الأكاديمية البريطانية لرئاسة قسم الرعاية الصحية في شركة جنرال إلكتريك التي تعمل في مجال الخلايا الجذعية، بعد أن تم تقييم فريقه حالة خلايا القلب ضد مجموعة من المركبات الدوائية لمعرفة مدى سُمّيتها على الخلايا – يقول “مينجر”: وجدنا أن الخلايا تأثرت ببعض المركبات المعروفة بسميتها، ولكن في عدد من الحالات تم اكتشاف المشكلة بعد طرح الدواء بالأسواق، وبعد أن تمت الموافقة عليه من قبل وكالات مثل وكالة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA). من وراء ذلك القرار تنكشف خيوط وخفايا شركات تجارة الأدوية، ولذلك لابدّ من وقفة ضرورية وشجاعة مع النفس لنواجه أنفسنا بالحقائق، ونضع أمامنا السلبيات دون أن نغفل الإنجازات ولا الإيجابيات!
لا يخفى على أحد ما وصلتْ له الأدوية الطبية من درجة جعلتها أمرًا لا غنى عنه، كما بات من المعروف لدى الكثيرين ما كان لتلك الأدوية من دور في علاج الكثير من الأمراض، فأجسامنا عُرضة لمطارق الألم التي قد توجّه سهامها نحونا في أيّة لحظة، لكن هل نحن في عرضة لمخاطر كامنة قد تصاحب تعاطينا للدواء؟ هناك من يهرع في استخدام الداوء من غير مشورة طبية وبصورة عشوائية لتجعل منه سلاحًا ذا حدين يفيد حينًا ويؤذي حينًا آخر.
لكن معظم الناس يعتقدون أن وصف أي دواء من طبيب مختص يمكن أن يمنح الصحة، وأن تأثير الدواء السلبي لا يخرج عن كونه رد فعل طبيعيًا مؤكدين قدرة الدواء على تحسين الصحة وتخفيف الآلام وأحيانًا الشفاء، لكن الحقيقة أن هناك تخوفًا لدى بعض المرضى من الأطباء وعلاجاتهم مفاده أن أي مراجع عيادة لابد أن يخرج بكيس مملوء بالأدوية، حيث معيار الشفاء لديهم بكل بساطة زوال العوارض السريرية، كومة الأدوية التي تعطى للمريض تؤثر بالفعل في إحداث قصور في وظائف أجهزة الجسم الداخلية بسبب الأثر الكيميائي التراكمي للدواء، يفضي إلى إضعاف جهاز المناعة، مما يجعل الجسم مرتعًا خصبًا لكثير من الأمراض . نعم ليس من المفروض تجنب الدواء بشكل مطلق كوننا نعيش في عالم الأمراض المستعصية، وحاجتنا إلى الدواء لمنع أو تفادي خطر الوقوع في مستنقع الأمراض، لكن أيضًا لا أحد يمتلك المناعة التامة ضد الإصابة بأي علة، فمن المستحيل أن نعيش حياة تخلو من الآلام والمنغصات، يمكن للطبيب أن يعدل فيه عن العقاقير إلا في حالات قليلة. الإكثار منها يعرض الجسم لمضاعفات نتيجة ارتفاع تركيزها إلى مستوى قد لا يستطيع الجسم تحملها، مسببة مخاطر صحية على الكبد والكلية وصولًا إلى تشنجات وجلطات وانتهاءً بأزمات قلبية مؤديًا للوفاة.
ما نستطيع فعله حاليًا لتجنب المضاعفات الجانبية هو أن تكون أنت المسؤول عن صحتك، أنت فقط، ليس طبيبك، قد تكون هذه النصيحة بديهية، ولكنها صعبة التطبيق في الواقع، إذ إننا نرى كثيرًا من الأشخاص يتجنبون زيارة الطبيب في بداية المرض وينتظرون حتى التعرض لآلام مستعصية، فيكون المريض قد وصل بمرضه إلى مرحلة تستعصي على العلاج، فإذا قمت بالخطوات المناسبة للوقاية من الأمراض، تستطيع الانتقال إلى النصيحة الثانية وهي تغيير نمط الحياة إلى روتين صحي ومستمر، الهدف منه هو إبقاء جسمك في حالة صحية جيدة، حتى تتمكّن دفاعاتك الذاتية على مواجهة المرض دون الحاجة للوقوف على أبواب المشافي والمستشفيات.
وأخيرًا، لطالمنا نهش الألم المتواصل أجسامنا بطرق كثيرة ويكاد يظهر أثره المدمر في صحة معظم أجهزة الجسم التي تتجرع تبعات نوبات الألم التي قد ترافقنا العمر كله، وفي الوقت الذي تزداد فيه الحاجة للدواء، نضع نصب أعيننا المضاعفات الجانبية، فلا يوجد علاج آمن، من هنا تبقى الإجراءات الوقائية هي الأهم، حقائق أثبتتْها تقارير العلم الحديث، تؤكد وجود تفاعلات خفية ذات أبعاد صحية خطرة، تدور رحاها بين أغوار النفس من جهة، وأجهزة الجسم الحيوية من جهة أخرى.
منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات.