زوج المستقبل.. كيف ترسم صورته؟

ورد عن رسول الله ﷺ: “إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” (الكافي ج 2 ص 347).

الحديث في الرواية الشريفة يدور حول أهم صفات ومؤهلات شريك الحياة، الذي من خلاله يمكن للفتاة أن تفكر في بناء علاقة مقدسة معه، فتجده عونًا ومساندًا لها في متاعب الحياة ومواجهة المشكلات والاختلاف بكل هدوء وحكمة، فتذكر الرواية عن المصطفى ﷺ أن أهم عاملين ينظر لهما في الشاب المتقدم لخطبتها: عامل الأخلاق والتدين، وهذا يؤكد حرية الفتاة في اختيار شريك حياتها دون ممارسة أي ضغوط عليها من قبل الأهل لتختار من يرونه مناسبًا لها دون استشارتها، بل أمر الزواج من الأهمية بما لا بد من اعتباره مشروعًا مستقبليًا يحتاج إلى دراسة متأنية وعدم التعجل في إبداء الموافقة، فكثير من حالات الإخفاق في العلاقة الزوجية والدخول في نفق الانفصال هو سوء الاختيار، إذ إن العلاقة الزوجية المستقرة والناجحة تبنى على روح الانسجام والتوافق والتفاهم المتبادل بينهما، وهذا قبل أن يكون له معزز من التجربة والخبرة الزوجية في التعامل مع المواقف المأزومة، ل ابد أن يسبقه تربية وثقافة زوجية تقرب بينهما ويتبناها الشاب والفتاة، إذ يمكننا الحكم على بعض حالات الارتباط بالإخفاق المسبق، لا من باب الرجم بالغيب بل من المعطيات القائمة لتلك العلاقة غير القائمة على أسس قوية تسعفهما في الإبحار في لجج الحياة، فاختيار الزوج وكذا الزوجة لا بد في نجاحه من المرور من قاعدة المعايير المساندة والمرجو منها النجاح.

والربط بين المعيارين (الأخلاق والتدين) يشير إلى خطأ الفكرة المرتكزة في أذهان البعض، وهي تصور أن التدين مجرد أداء العبادات والتكاليف الواجبة كالصلاة والصوم بهيئتها وصورتها أمر كاف للحكم عليه بالتدين والالتزام بالأحكام الشرعية، والحقيقة أن العبادات -على أهميتها- وسيلة وطريق منهجي لتثبيت روح التقوى والخوف من الله تعالى الداعي إلى تجنب المنكرات والآثام، وما لم تحقق هذه النتيجة فهذا يدل على عدم تمكن مكتسبات العبادة من فكر الإنسان وسلوكه، كما أن التدين كما يكون بالتزام العبادات كذلك في جانب التعامل مع الآخرين هناك أحكام وآداب لا بد من التزامها لكي يصدق عليه اسم المتدين، ولتوضيح الصورة نتطلع إلى حالات من المتدينين الذين لا يلتزمون بأخلاق الإسلام، فهذا المصلي والصائم قد تجد عنده شراسة وقسوة في التعامل، ويتجنب الآخرون التعامل معه بسبب سلاطة لسانه وتلفظه بكلمات بذيئة وقبيحة، فهل يعد مثل هذا الشخص متدينًا حقيقة بالإسلام وقيمه ومنهجه أم أنه يأخذ من الدين جزءًا منه ويترك جزءًا آخر لا يعمل به؟!.

وهناك من التدين ما لا يصل إلى جانبه الوجداني ومشاعره فهو مبتلى بالأحاسيس السلبية تجاه الآخرين، فمتى ما وقعت معه في سوء فهم أو اختلاف فإن الغضب يتملكه ويتحول استفزاز مشاعره إلى كراهية وحقد مستحكم تجاه الآخر، ويأبى روح التصالح والتغافل عن الهفوات والإساءة غير المقصودة، فمثل هذا الإنسان كيف يمكنه أن يكون قيمًا على أسرة وهو بمثل هذه الصفة السيئة في مشاعره؟.

الحياة الزوجية المشتركة لا تسير بوتيرة واحدة من الاستقرار والسرور فهذا وهم، وإنما هي مزيج من اللحظات الجميلة والأوقات الصعبة والحزينة والمؤلمة، وتحتاج إلى قدر كبير من الحكمة والتفاهم والتحاور حول الوصول إلى حلول ممكنة ومرضية، فالأزمات لا تتعلق ببعد واحد بل هي متعلقة بمختلف أبعاد حياتهم وظروفهم الحياتية والنفسية والمالية، وهذه المشكلات لا يمكن تجاوزها إلا من خلال وجود شريك حياة متفهم ومتسامح، يميل إلى معالجة الأمور من خلال استماع وجهة نظر الآخر والتجاوز عن الخطأ في حقه بدلًا من الغضب والقطيعة لأبسط الأسباب، كما أن بعض المشكلات تحتاج إلى التنازل بغض النظر عمن يكون معه الحق.

المفهوم الخاطئ للزوج المناسب المتمكن ماليًا والقادر على توفير حياة الرفاهية الزائدة، وأنه سيكون هو فارس الأحلام والزوج الذي تستطيع أن تشكل معه ثنائيًا سعيدًا يجانب الصواب، فالحياة الزوجية وإن كان العامل المادي عاملًا مهما فيها بقدر توفير مستلزمات الحياة الكريمة، لكن ذلك لا يعني مطلقًا إغفال جانب الخلق الحسن والتدين.



error: المحتوي محمي