من جمال الحياة أن أغلب من نتعامل معهم أناس طيبون وكرماء، إلا أن هذا الجمال لا بدّ أن يكون فيه مشاغبون يشوهون صورته. دعوة للقارئ الكريم أن يفكر في التسامح مع من يستحق وألا يكون ممسحةً تمسح بها الأرض عند من يعد التسامح والصمتَ ضعفًا ويتمادى!
إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ ** وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا
وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى ** مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضعِ النّدى
صنف من الناس -الحمد لله أنه قليل- أهوج، لا يشعر بوخز الضمير ولا ينفع معه إلا العصا وأخذ الحق. أما إذا تركناه صار شيطانًا أحمق لا فرق بينه وبين الحيوان ذي الأربع، يركل ويرفس ويقتل! الحقّ يقال: أغلب النّاس كرماء أطياب لكن ذلك لا يمنع أن يكون في النّاس من إذا رأى في غيره لينًا عدّه ضعفًا وجبنًا وإذا لاقى أسدًا يخاف ويجبن!
هناك مكان واحد -الجنة- ليس فيها أسود تستقوي على غيرها ولا فِراخ تُستضعف إنما {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}. أما الدنيا ففيها حالات من الأخوّة والمحبة والألفة وفيها حالات من الحقدِ والحسد والاستقواء، ما يجعلها خليطًا عجيبًا من الجيّد والرديء والعدل والظلم!
يقول الإمام علي -عليه السلام-: “أقدموا على الله مظلومين، ولا تقدموا عليه ظالمين”. أما القرآن فجاء فيه الكثير عن الظلم والظالمين وعن العفو، وعلينا الموازنة بين ردّ الظلم بالقانون والعدل وبين الصفحِ والتسامح! وإن كنا لا نملك القدرة على منع النّاس أن يكونوا ظالمين فإنا نستطيع أن نمنع أنفسنا من أن نكون ظالمين:
ابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها ** فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي ** بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ ** عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
يُرْوَى أن الشاعر أبا العلاء المعري كان لا يأكل اللحم ولما مرض وصف له الأطبّاء لحمَ الدجاج يستقوي به، فامتنع. ألحوا عليه، فلما لمسه بيده رآه ضعيفًا فقال: “استضعفوكَ فوصفوك، هلاّ وصفوا شبلَ الأسد؟ ثم أبى أن يأكله. أليس هذا حال بعض النّاس يَستقوون على الضعفاء؟ وإذا رأوا القويَّ صاروا فراخًا ضعيفة!
أحيانًا تسأل: هل نُسامح أم نردَع؟ هل وهبنا الله الحياة ليُخرِّبها ويدوسها أحمق؟ أم الركوع -لغير الله- لا يجوز وأن أكون حليفًا ومعينًا لظالمي بالسكوت عنه لا يجوز؟