يرى معظم النّاس أنّ من الفضُول المذموم سؤال الأصدقاء عمّا يملكون من مال، أو الحديث معهم عن ثرواتهم المصرفية ورواتبهم الشهريّة؛ لأن المال من الأمور التي يُحاول الإنسان إخفاءها والحفاظ عليها من الضياع، وإذا لم يشكّل المال الحياة كلّها عند البعض فهو جزء كبير منها.
تقول ماغي بيكر: “هناك شكل من أشكال التّعْتِيم حول موضوع المال بأكمله، ما تملكه أو ما لا تملكه”.
لذلك لا يمكنك لوم الآخرين على عدم إقراضهم أموالهم خوفًا من عدم استردادها وترسمُ الحريّةُ الشّخصية أبعاد هذا الأمر كلّه.
ومن منطلق أنّ الكثير من الناس يعاني عدم استرداد أمواله المقترضة فقد أدّى ذلك إلى الابتعاد عن إقراضها دون ضمان. والجدير بالذكر هنا، اتّفاق علماء النفس على أن تسعة أشخاصٍ من أصل عشرة لا يردون المال المقترض الذي حصلوا عليه من أصدقائهم.
من جانب آخر يُعد ادّخار المال قوة اقتصادية في الوقت الذي يعد الدَّين ثُقلًا على الكاهل يهرب الإنسان من رؤية غريمه الذي استدان منه، لأن الدَّين يحدث شرخًا في العلاقات الاجتماعية ويؤدي إلى اختلال توازنها، ويُقيد حريّة الإنسان، والمؤمن حرّ عزيز.
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول: “إن الحُرّ حُرّ على جميع أحواله”، فإذا أثقل الإنسان كاهِلَه بالدُّيون تصبح خطواته بطيئة، يمشي مكبلًا بقيود الدّين، ولا يوجد أصدق وصفًا من كلام أمير المؤمنين عندما يصف الدين قائلًا: “ذقتُ طيبات الدنيا كلّها فلم أجدْ أطيب من العافية، وذقتُ مرارات الدنيا كلّها فلم أجد أمرّ من الحاجة إلى الناس، ونقلتُ الصخر والحديد فلم أجد أثقل من الدَّين”.
كانت أمي -أطال الله عمرها- تردد دائمًا: بمالكِ تصبحين عزيزة، ونقودك تجعلك في غنى عن الناس فادخري قرشك الأبيض ليومك الأسود لإظهاره في وقته المناسب.
ولعلّه يُحسن بنا أن نذكر أنّ الاستعمال الحكيم للمال والتّروي في إنفاقه يؤديان للبعد عن القلق من المستقبل، أما الإنفاق اللا عقلاني من دون حساب للمستقبل فهو أمر يقود الإنسان إلى الوقوع في الأزمات الماديّة وتتابعها في مختلف الفترات الزمنيّة.
فالمال عصب الحياة وترشيد صرفه على النحو المفيد أمرٌ واجب تقتضيه المصلحة. يقول الحق تعالى: “اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ” (سورة الحديد: 20).
ومهما يكن من شيء فإننا لا نستطيع أن نُنْكر قوة المال الاجتماعيّة وسلاسله القويةّ في إحكام توثيق علاقة المرء بإخوانه، يقول الشاعر:
فإذا قلّ مالُ المرءِ لانَتْ قناتُهُ
وهان على الأدْنى فَكَيْفَ الأباعِدُ
ومما لا شكّ فيه أنّه عندما يتقدّم المال سوف تُفْتح جميع الأبواب، فطلابه لا ينفكّون يبحثون عنه، ولا يشبعون من الجري خلفه، تمامًا مثلما لا يشبع طالب العلم من طلب العلم.
يقول أمير المؤمنين: “المال يستر رذيلة الأغنياء، والفقر يغطّي فضيلة الفقراء”.