عندما نكون في قمة الثقافات نصنع ثقافة ينقلها غيرنا وحضارةً يقلدها غيرنا! أما دون ذلك فيعني أن نأخذ ما يرميه غيرنا بأثمانٍ مضاعفة بعد أن جربه ولم يصلح فرماه في النفاية وانتقل إلى غيره.
سؤال يجب علينا طرحه على أنفسنا وعلى جيلنا الصاعد: أيّ طريق نريد أن نسلك؟ طريق التقليد؟ أم طريق الابتكار؟ طريق من يقلد الثقافة؟ أم طريق من يصنعها؟ وعلى ضوء الإجابة نستطيع أن نضع لنا منهجًا ومسارًا يؤدي للهدف.
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي ** وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ ** إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا
أن نأخذ عن غيرنا فذلك لا يستدعى منا بذل جهد، أما الرقي وصعود القمم فهو بطبيعته جهد معاكس للجاذبية ويستهلك وقتًا وطاقةً كبيرة. أن نكون في قمة الثقافة لا يعني أن نستغني عن العالم، ونصنع كلّ شيء وننتج كل شيء، لكن نأخذ بأسباب القوة “المؤمن القويّ خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”، حيث لا أحد يأخذ ثقافته من ضعيف -أو كسول- ولا أحد يحترم ضعيفًا إنما الضعيف من يستجدي ويأخذ ويستقي من غيره.
ليس من ريبٍ أن المالَ من أنماط القوة! إلا أن العلوم والأخلاق والثقافة الراقية والصناعة من أنواع القوة التي تفوق المال! أما الأخلاق فهي الأمّ والأسّ، من دونها لا قوة ولا ثقافة ولا حضارة: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ** فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فإذا أردتَ أن تنتصر دون سلاح فعليك بالثقافة، السلاح نفسه الذي يصدره ويستخدمه الأقوياء.
أمة تصعد إلى الفضاء قادرة على أن تصل إلى قمّة الثقافة بكلّ ما تعنيه كلمة ثقافة؛ أخلاق، علوم، فنون، وغيرها من مكونات! ثقافة لا تلغي الخصوصية والهوية إنما تضيف إليها وتبني فوقها. القفز -نحو القمة- يعني بذل جهدٍ منتظم ومكثف ومتسارع، جهد يكون فيه هفوات وأخطاء بين الفينةِ والفينة؛ أخطاء لا تقتل إنما تقوي.
علينا أن نعمل ليكون ميزان صناعة استيراد الثقافة إلى جانبنا؛ يشتري الآخرون منتجاتنا، يتفسحون في بلداننا، يرون فنوننا ويترجمونَ كتبنا، فماذا يمنع؟ ألف ميل يبدأ بخطوة واحدة! والخطوة تبدأ بزرع الفكرة والإيمان بالنجاح ثم سقي الفكرة بعرق الجبين. أما البديل فهو كما قيل:
وَمَنْ يتهيب صُعُودَ الجِبَالِ ** يَعِشْ أبَدَ الدَهرِ بَيْنَ الحُفرْ