اعذروا ذا الثمانين وأَعينوه!

سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش *** ثَمانينَ حَولًا لا أَبا لَكَ يَسأَمِ

بيت شعرٍ قاله زهير بن أبي سلمى بعدما بلغ ثمانين سنة ويبدو أن زهيرًا لقي من العناء الكثير في عمر الثمانين فملّ الحياة وتكاليفها؛ ملّ طول البقاء بعد أن كان في قوة حصان حقل يكدّ من الصباحِ وحتى المساء دون تعب، وفي سرعة ظبي يلاحقه صياد، الآن لا هذا ولا ذاك!

ما نقول إلّا سبحانَ من خلقَ وفَرَق! رجل أو امرأة في عمر الثمانين تظنه أو تظنها في عمر الخمسين أو دون ذلك، هندام واعتدال قامَة وحسن مظهر، وآخر في عمر الخمسين تظنه في الثمانين أو فوقَ ذلك! فهل يا ترى لنا في ذلك شيء أم كله خارج عن سلطاننا وقدرتنا؟ الجواب عند القارئ الكريم والقارئة الكريمة!

نجد العذر لكثيرٍ من كبار السنّ إذا ما جرّهم الأبناء للطبيب جرًّا وشدّوهم من أيديهم وأرجلهم وفي الرجال نماذج -كثيرة- من هذا النوع، يعذرون لأنهم يرون النفقَ طويلًا ولا مخرج منه إلا بالموت! إلا أنهم في ذات الوقت -ملامون- إذا أهملوا أنفسهم وكأنّ ملك الموت صار على باب الدار يناديهم!

وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ! العمر إذا طال انتكس، ضعف بعد قوة وعود إلى قوى الطفولة غير أن الصبي يرجو القوة والكبير يرجو زيادةً في الضعف. الإحباط واليأس يدب رويدًا رويدًا في عقل كبير السنّ وجسده من شدة الضربات الموجعة واللكمات التي يوجهها له المرض فمن ذا يلومه؟!

ربّ متعنا جميعًا بالصحة والعافية والتوازن العقليّ في مرحلة -الشيخوخة- حتى نستطيع أن نعين أنفسنا ولا نكون حملًا ثقيلًا على غيرنا. كان الإمام السجاد -عليه السلام- يقول في دعائه: “اللهمّ صل على محمد وآله، واجعل أوسع رزقكَ عليّ إذا كبرت، وأقوى قوتكَ فيّ إذا نصبت”! أي يا رب اجعل لي القوة حين يصيبني التعب، ومكني من تحمل التعب والمشقة.

ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً! ذاك الرجل الضخم العضلات قوي البنيان إذا عاد طفلًا صغيرًا في تصرفاته وسلوكه، يمازجه التعنت والعناد فإنه يساس كما يساس الطفل ويعان على ما فيه! العون والعناية وعدم الإهمال من الأقربين والأصدقاء؛ تلطيف الأجواء، تحسين الحالة المادية، الرعاية الصحية، وغير ذلك مما يجعل سنوات الشيخوخة أقل سوءًا وهمًّا!

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا! ما أسهل برّ الوالدين وأمتَعه إذا كانا سالمين معافين -لا نحملهم ولا نتحملهم- وما أصعبه إذا كبر كلاهما أو أحدهما وأصابه السقم! أما لو اقتصر برّ الوالدين على ما نعرف لكان هينًا! لكن في بعض أحوال كبار السنّ اعتلال مزاج وضيق صدر وعناد وركل للدنيا بما فيها! حينئذٍ اعذروا ذا الثمانين وأَعينوه!



error: المحتوي محمي