كم سنة نعيش؟ من يبلغ الثمانين سنة -أو حتى أقل- نقول عنه إنه شيخ هرم! ومع قصر أعمارنا نعمل في الوقت وكأنه مورد لا ينضب! قال نوح -عليه السلام- عن نفسه وهو الذي عاشَ زمنًا طويلًا: “دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا”، لم يضيَّع من عمره شيئًا!
تهتم المدارس الحديثة بتدريس “إدارة الوقت” Time Management بغرض تدريب الأشخاص على تنسيق المهام والأنشطة لتعظيم فعالية جهود الفرد وتمكينه من إنجاز أعمالٍ أكثر وأفضل في وقتٍ أقل على أنها مادة بدأت في الغرب في بدايات القرن العشرين بهدف زيادة الإنتاجية، إلا أن هناك من أسّس وعرّف بأهميّة الوقت قبل ذلك بقرون!
وجد أبو ذرّ الغفاري -رضي الله عنه- نفسه في خلوة مع النبيّ محمد -صلى الله عليه وآله- وكان ثالثهما الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- فطلب نصيحةً شخصيّة من الرسول. وهنا أول درس؛ رأى أبو ذرّ فرصة لا تعوض فاستغل الوقتَ واستثمَره جيِّدًا! لم يصمت ولم يسأل عن شيء حقير وإنما قال: يا رسولَ الله، بأبي أنتَ وأمي، أوصني بوصيةٍ ينفعني الله بها. حباهُ رسولُ الله بوصية رائعة تتضمن مقاطع تستحق أن تدرّس في أعاظم دورات التدريب، منها:
يا أبا ذر: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ.
يا أبا ذر: اغتنم خمسًا قبل خمس: شبَابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتك قبل سَقَمِك وغِنَاكَ قبل فقرك، وفراغَك قبل شغلِك، وحياتَك قبل موتِك.
يا أبا ذر: إذا أصبحتَ فلا تحدِّث نفسك بالمساء، وإذا أمسيتَ فلا تحدِّث نفسكَ بالصباح، وخذ من صحتكَ قبل سَقَمِك، ومن حياتكَ قبل موتك، فإنك لا تدري ما اسمك غدًا.
يا أبا ذر: كن على عمرِك أشحّ منك على درهمِكَ ودينارِك.
يا أبا ذر: إنكم في ممرِّ الليلِ والنهار في آجالٍ منقوصة، وأعمالٍ محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن يزرع خيرًا يوشك أن يحصُد زرعه، ومن يزرع شرًّا، يوشك أن يحصد ندامة، ولكلِّ زارعٍ ما زرع.
فينا من هم في بداية مشوار الحياة ومقبلون على البدء في أنماط كثيرة من المشروعات يؤجلون ويؤخرون! ونحن -فئة المسنين “المتقاعدين” عن العمل- لم نتعلم الطيران ونسينا المشي لأن وقتنا يضيع هدرًا في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها دون جدوى أو فائدة تذكر!
العمر فرصة زمنية حدودها الحياة الموت والصحة والمرض والشغل والفراغ. فرصة زمنية قصيرة -نسبيًّا- فيها واجبات ربانية لا بد أن تتحقق ومشروعات شخصيّة وهذه الكلمات والدروس المختصرة من النبيّ -صلى الله عليه وآله- أفضل من ورشة تدريب تدوم أيامًا وتكلف آلاف الريالات، ثم تضيع كل دقيقةٍ هباءً منثورًا!