عند البحث عن رؤية جديدة للإشراف التربوي بالمدارس تبرز مسائل نوعية ومنهجية تتصل بأهمية الإشراف التربوي وآليات العمل به، وبالاتجاهات المعاصرة والنماذج المستجدة التي تنوعت وتشكَّلت بحسب تنوع المعارف، وتدفق المعلومات، وتغييرات النظم التربوية، والتوسع الهائل في البرامج التعليمية، وبدورها تتطلب التركيز على جودة التعليم ونوعيته من جهة، وتحسين مستوى المخرجات التعليمية من جهة أخرى. ولما كان الإشراف عملية تربوية ذات نشاطات تعاونية منظمة ومستمرة، صار التقدم في عمليات الإشراف التربوي مرتهنًا بالبحث عن اتجاهات ونماذج معاصرة أكثر انفتاحًا ومرونة وابتكارًا، لتوظيفها في الميدان توظيفًا فاعلًا بغية التحسين المتواصل لمهارات المشرفين التربويين ومديري المدارس والمعلمين من أجل تجويد عمليات التعليم والتعلم.
إن مرحلة جديدة من الإشراف التربوي ضمن رؤية معاصرة متنوعة متجددة قادرة على تنمية العنصر البشري، وتفعيل دوره، وتجديد أدواته وممارساته العملية لهو أمر في غاية الأهمية لتطوير المدرسة التربوية والتعليمية.
ومن هنا كانت ثقافة التمكين الإداري داخل المدارس نقطة تحول في المؤسسات التربوية التي تسهم في بناء عناصر بشرية مؤهلة للقيادة الذاتية، مما يساعد على عملية التحسين المنطلقة من المتابعة والرقابة التي تشعر منسوبيها بصحوة الموقف الذي يسعى إلى تحسين مخرجات مدارسنا. إن هذه الثقافة وهذا الأسلوب الجديد لا يعني الاستغناء عن دور الإشراف التربوي، لأن له أدوارًا جوهرية في تحسين العناصر البشرية وتمكينها، وما زالت أدوار الإشراف التربوي قائمة من تجويد وتمكين وغيرها.
إن التمكين مطلب مهم وضروري في وقتنا الحاضر، وهو من أدوات الجودة الشاملة للمدارس ومن الأساليب الحديثة المتقدمة، ويعتمد على الاختيار السليم والتدريب والتطوير والشراكة وتفويض الصلاحيات، وجميعها عناصر لها أهمية كبرى في الميدان التربوي، وتسهم في تعزيز الثقة لدى العاملين في المجال التربوي والتعليمي.
وقد ظهر مفهوم التمكين في نهاية الثمانينيات، ولاقى هذا المفهوم شيوعًا ورواجًا في فترة التسعينيات، وهذا ناتج عن زيادة التركيز على العنصر البشري داخل المدرسة أيًّا كان نوعها، كما أن التطورات والتحولات الحاصلة في مجال تنمية العنصر البشري داخل التنظيمات أكدت أهمية التمكين لما لها من دور في تحسين العلاقة بين المدير والعاملين، حيث إن هذه العلاقة تشكّل حجر الأساس لنجاح أساليب التطوير داخل المدارس.