أشبه الأشجار بالمرأة النخلة؛ دائمة العطاء، جمال ضفائرها يجلب الراحة والسكينة. بالإجمال لا حياةَ بلا نساء أو نخل فإذا استرحنا لحكايا النساء استرحنا لحكايا وتاريخ النخلة. من الغريب أننا في القطيف أهملنا واحدة – النخلة – رغبةً أو اضطرارًا، لكن الأخرى – المرأة – ضارعت وارتقت السماء!
من عنده جدّ أو أب فليسأله عن تلكم الأيام الصعبة! كانت النخلة فيها المنقذ والمخلص من الجوع. كلما صاح البطن من ألم الجوع في مساءات الأيام، مخزن التمر كان هو الملجأ والمهدئ لفورةِ البطن وثورة الجوع. وإن كان من التجني أن نقصر أهمية دور النخلة ونَختصره في بلادنا لأن ذلك الدور جاء في الكتبِ السماوية والحضارات الإنسانية وفي الكتب والمؤلفات، إلا أنّ بين النخلة والقَطيفيين علاقة وطيدة. أعطاها مالكها الرعاية فكانت الشجرة الرئيسة التي أعطته الغذاءَ والمركب والمسكن من مولده إلى قبره!
أما المرأة فلا يدخل الشكّ والريب في أي قلب؛ كانت الماكينة التي تعمل في البيت والنخل؛ تربّي وتعين! امرأة من حديد؛ وما تميز وإبداع الأجيال الحاضرة من شبّان وشابّات في جميع المجالات إلا بسبب المرأة القطيفية القوية الصلبة والمثابرة؛ آلة من الجدّ والاجتهاد والعمل لا تخمد! الأسماء التي نراها في قوائم المتميزين في الصحف ووسائل التواصل من المبدعين – ذكورًا وإناثًا – من صنع المرأة. فإذا كانت النخلة أغدقت على أهل القطيف الحياةَ قديمًا فإن سرّ البقاء والتقدم والتفوق الحاضر ليس كامنًا بل ظاهرًا ظهور الشمس في المرأة القطيفية.
ضرّت قفزة الحداثة والتطور الاقتصادي النخلة القطيفية فأهملها أهلها وانتهى دورها تقريبًا، وأظهرت الحداثة دور المرأة القطيفية في جميع المجالات، العلمية والاقتصادية والاجتماعية. ما عاد دورها مقتصرًا على رعاية الحقل والمنزل فهي طبيبة وممرضة في المشفى وطالبة ومعلمة في المدرسة ومديرة وعاملة في المتجر ومؤثرة في الصحافة وكل مكان يوجد فيه الرجل، مع ذلك بقيت أصيلةً أصالة النخلة ومحافظةً على جودة إنتاجها البشريّ جيلًا بعد جيل!
أبدعت المرأة القطيفيّة آنذاك في حمل مسؤوليتها واليوم لم يبقَ مجال لم تدخله وتبدع فيه! على أن ذلك الإبداع يحمّلها مسؤولية موازنة أحمالها وأثقالها ولا يكون تميّزها على حسابها أو على حساب الأسرة وأن يبقى كلاهما – النخلة والمرأة – شعارًا للطيبة والبهجة والثمر الشهيّ.
أعطني امرأةً صالحةً أعطيك جيلًا صالحًا وأمّة صالحة، وإذا شئت فساد جيل وأمة فابدأ بالمرأة واقلع القيمَ منها فلا تعود أمًّا أو زوجة أو أختًا أو مصنعًا لأعاظم الرجال، إنما ألعوبةً يتصرَّف فيها من يشاء!