في أغلب مساءات الأيّام عندما يرتخي ظلّ الشمس يكون حفيدي أحمد مستعدًّا للعب الكرة، وليس إلا أنا جدّه من يلعب معه. هو لاعب وهو الحكم وهو من يقرر نتيجة اللعب غير أني من يشتري الكرة. لم أربح ولا يومًا واحدًا لأن أحمد يغشّ ولا يدري أن الغشّ أمر غير محمود؛ يغير النتيجة ويحملني أخطاءً لم أفعلها. لا يهم كل ذلك من أجل أن يتباهى أنه تفوق على جدّه!
لطالما تساءلتُ وتأملت: هل غشّ ابني أحمد مرضيّ عنه، مثل الكذب المحمود عند الكبار؟! “ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيرًا أو نمى خيرًا”. فلطالما نمى خيرًا غشّ ابني أحمد في نفسي ولم يضرني قط! هناك أنواع أخرى حلال من الكذب أيضًا: “لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب في الإصلاح بين الناس”.
ليت كل الغش في هذه البساطة في هذا الزمان؛ لا تسأل عن شيء يا أستاذ 100%، كل الأشياء والبضائع والآراء جيدة، لا أحد يغش أبدًا! إذًا، غشّ يا أحمد لا تثريب عليك! ما غششتَ إلا قريبًا ومحبًّا! يومًا ما -عندما تكبر- تضطركَ الحياةُ للكذب ويجبرك الكبار على الكذب، حاول وقاوم ألا تغشّ أو تكذب. سوف تكتشف أن الأمين يخسر الدنيا ويربح الآخرة “لحية المغلوب في الجنة”. أما الغشاشون بحقّ فليحذروا عقوبة الله وإن علقوا على رقابهم: “من غشَّنا فليس منا”.
ورد في كتب السيرة أن النبيّ _صلى الله عليه وآله مرّ في سوق المدينة بطعامٍ فقال لصاحبه: ما أرى طعامكَ إلا طيبًا وسأله عن سعره، فأوحى الله -عزّ وجل- إليه أن يدسّ يديه في الطعام ففعل فأخرج طعامًا رديئًا، فقال لصاحبه: ما أراكَ إلا وقد جمعتَ خيانةً وغشًّا للمسلمين! وفي مقام آخر قال صلى الله عليه وآله لرجلٍ يبيع طعامًا، وقد خلط جيدًا بقبيح: ما حملكَ على ما صنعت؟! فقال: أردتُ أن ينفق، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله ميز كلّ واحدٍ منهما على حدة، ليس في ديننا غشّ!
في رأيكم لو أجريت دراسة ميدانية عن الغشّ والأمانة؛ من أكثر النّاس أمانة وأكثرهم غشًّا، أين يكون تصنيفنا؟ أي مرتبة؟ أتمنى أن نأتي في المرتبة الأولى في الأمانة لأن في ديننا وثقافتنا الغشّ لا يحل ولا يجوز! “من غشّ أخاه المسلم نزعَ الله بركةَ رزقه، وسدّ عليه معيشته ووكله إلى نفسه”.
بضاعة مغشوشة بريالات تحزن أن يغشكَ أحد فيها! تأمل كم تحزن إذا غُششتَ في عقلكَ وفي فكركَ ورأيك!