* ولَو تَصفّحتَ أوراقِي لِتقرَأَهَا… رأيتَ تأمّلاتِي جُلَّ أَورَاقِي
1. تُفضِي عِبارةُ “تباريحُ الحُبِّ” المُفعّمةُ بصَرِيحِ بَوْحِ مَعناهَا العَام الأَوسَع، إلى تملّكِ ذائقةِ غَريزةِ الحبّ الصِّرفِ الصّدُوقِ؛ واستِحوَاذِ طَبيعةِ جَذبِ الشّوقِ المُستَهامِ الوَثُوقِ؛ واستئثارِ مَلَكةِ الاستِئناسِ الذاتي الحَمِيمِ، بتَوهُجهِم الدّائم المَتلازِم مَعًا- باستِمرارِ واستِقرارِ- آمِنين مُطمَئنّين، في رَحابةِ نُزُلِ صَبابَةِ الفؤادِ؛ وعِنايةِ قِرّاءِ صَفاءِ الوِجدان، بمَفازةِ نَفْسٍ رَاضيةٍ مَرضِيةٍ؛ ومَيلِ عَقلٍ وَاعٍ مُتيقّظٍ؛ وقَبُولٍ مَحضٍ فَطنٍ؛ ونَهجٍ مَسلّكيّ ذَهِنٍ … ! عِندئذٍ تَتصاغَرُ لِزامًا، أحكَمُ حَبائل؛ وتَتقزّمُ معها، أتقَنُ إُشراقة إغراءاتِ النفْسِ الأَمّارةِ بالسّوءِ، بوَخِيمِ تَفاهَةِ أُمُورِها المُشوّشَةِ العَارضةِ؛ وتَتشظّى، عَرَضًا، حَوافزُ تَزيِين أّرذلِ مَفاسِدِها الزائفةِ البائسةِ؛ لتَتلَاشَى بمَعيّتِهما الرثّةِ تِباعًا، أَعتَى وأَشدّ مُستَحثّاتِ سَقطِ مُردِياتِ الهَوَى النتِنةِ الشائنةِ؛ عِندها، تنتصِرُ آصِرةُ رِبقةِ خَلاصِ الحبّ الرابِط، بَين جَوانحِ وثَنايا شِغافِ قُلوبِ المُحبّين الوَالِهين؛ ويَسمُو زِمامُ مِقوَد النفسِ المُتأَرجِحِ المُتأَجِج، بتِلقائيةٍ سَمْحةٍ، بين مُهجِ سُويدَاءِ القلُوبِ، وثَنياتِ حَنايَا الضُّلُوع…!
2. ويُدرٍك الأَئِمةُ المُتّقُون العارِفُون الدائبُون في خِضمّ تَجلّياتِ مَلكُوتِ العِشقِ الإلهي، بقَدحِ زِنادِ أقواسِ رِقّةِ مَجاسّ الحَواسِّ المُرهَفةِ؛ واستَلهَامِ عَظمةِ رِقّةِ مُحيطِ المَشاعرِ الشفافةِ، بأَنّ ذَائقةَ الحبّ المَلكُوتِي العِبادِي عَينَها، المُتماهِيةِ في عَظمةِ جَنبِ الله؛ والدائبةِ في رَحَيبِ كَنفِهِ، هي مَلكةٌ سَامِيةٌ مُتربّعةٌ في صِهاءِ سَنامِ تَباريحِ الحبّ المُتأصّلِ؛ وقابِعةٌ في قِمَم تَجلّياتِ العِشقِ الثنائي الخالِصِ، لِكُنْهِ كَيفيةِ، وجَلالِ وعَظمةِ الخَالقِ- جَلّا وعَلَا- وأنّ حَقيقةَ كَيفيّتِه العُظمَى، لَا تُدرِكها الأبصَار؛ ولَا تُضاهِيها؛ ولَا تُدانِيها؛ ولَا تُماثِلها، مَا سِواها مِن أعلَى سَائرِ المَراتِبِ، وأَسمَى المَناقِبِ، وأَرفَعِ الدَرَجاتِ، وأََجَلّ مَكاسِبِ الحبّ المُتصَعّدةِ المُتملّكةِ في أَجوافِ صَمِيمِ سُويداءِ القلبِ السلِيمِ، والآخِذةِ صَبابةً بدَخِيلةِ مُهجَةِ النفسِ البشريةِ السوِيةِ، نَحو التبتّلِ، والزهْدِ والخُشوعِ، والكَمالِ، قلبًا وقالبًا… ويَكفِي ِ المسلمُ عِزًا وفَخرًا، رِحلَة الإِبحارِ الوِجداني اليقِظ؛ وتَربيةِ السلُوكِ والوجدانِ؛ وإذكَاءَ بصَائرِ التأمّل الفِكري الشامل اللَبِق، في جَوهرِ المُحتوَى الأَخلَاقِي المُتأدّب؛ وإِرثِ زَادِ مَنهلِ الأَدعِيةِ والمُناجاةِ الإِلهيةِ الوَاعَيةِ؛ ومَكرمةِ مَوارِد نَفحاتِ الذاتِ الربّانيةِ الواردةِ صِلَةً ثَمِينةً؛ والمُوْهَبةِ عَطاءً مُجزِيًا، في مُتّسعِ رِقَاعِ الفِكرِ العَقائدي المُتوقّدِ خُشُوعًا ذَاتيًا، والدائبَ تَواضُعًا زَاهِدًا، في نَسَقِ سُطورِ دَفّتي مَتنِ “الصحِيفةِ السجّادِيةِ” العامِرةِ، لمُنضّدِها ومُنشِئها الإمامِ السجَاد، زَين العابدين- علي بن الحسين عليهما السلام…!
3. وهُناكَ، في مُتسعِ قَامُوسِ أَطيافِ دَوائر تَبارِيحِ، وأَسمَى تَرانِيمِ رِحابِ الحبِّ الوجداني الأَمجَدِ، تَنمُو وتَتربّع بَذرَةُ “حُبّ الوطنِ” النابتةِ رِيًا وحُسْنًا، في عُمقِ سَرِيرةِ النفسِ؛ والمُورِقةُ عِشقًا وسَماحةً، في فَساحةِ مَسارِ طَوَيةِ مُهجةِ الوِجدانِ… وفَاءً واحْتِفاءً، وإجْلَالًا، “لقُدسِيةِ” أَدِيمِ مَسقطِ الرأسَ العَطِرِ، ورُقعةِ شَرفِ الوَطنِ المِعطاءِ… ومِمّا يَزَيدُ مَقامُ الوطنِ رِفعةً ومكانة؛ ويُكسِبهُ سُؤدُدًا وسِيادَةً، قَولُ سَيدِ الخَلقِ أَجمعِين، نبينا الكريم عليه، وعلى ٱله وصَحبهِ، أفضل الصلاة، وأتمّ التسليم: (حُبُّ الوَطَنِ مِنَ الإِيمَِان)*… فَلّا أحدَ يُزايِد، أو يُراهِن، أو يُكابِر على شِدّةِ جَريانِ صَفوِ نبعِ ذلك الحبِّ المُتأصّلِ السَلْسَال، بين أنقَى جَداولِه المُتدفّقةِ، وأنضَرِ خَمائلِه البَهيةِ، مَا دَامَ مَدُّ الأنفاسِ الساخنةِ، يُداعِبُ ويَتردّدُ- بأَريحِيةٍ وشَفافِيةٍ- في ثَنايا تَلافِيفِ أعماقِ الضّمِير الإنسَاني الفطِن، ذِهابْا وجِيئةً…!
4. وتُتابِع مَسِيرةُ قَوافلِ- تباريحِ الحبّ- الصادقِ رِحلتَها الماتعةِ، بأحْلَى جَحافلِ مَواكبِها الحُبلى المُتسارِعةِ؛ لِتلِد فَوجًا حَمِيمًا مُتألقًا مِن صَبابةِ أَنقَى شَآبِيبِ الحُب الذاتي المُتجذّرِ، ألَا وهو حُبُّ اللغةِ المنطُوقةِ: الوشاحُ الزاهِي الضافِي، والمِصباحُ المُضيءُ المُنيرُ، وشَطرٌ بازغٌ مِن مِشكاةِ نُورِ شُعاعِ الشمسِ المُشرقةِ، باتّساعِ عَنانِ سُدُمِ سّماءِ المَعمُورةِ، على رُقعةِ بسَاطِ هُويّتِنا العَربيةِ، وفي مَتنِ ثَقافَتِنا الإسلاميةِ العَريقتَين، بِأَصالةِ مَاضِيهما، وكَرامةِ حَاضرِهما الزاهِرين؛ لتزيدَنا- لُغةُ الضادِ، الأُمُّ الجَامِعةُ- تُراثًا تَلِيدًا؛ وتَمنحَنا وَافرَ أرصِدةٍ خَالدةٍ، مِن قَناطِير مُقنطَرةٍ مٍن مَتانةِ رَواسِي العِزّ؛ وصَلابةِ قَواعدِ الفخرِ؛ وأصَالةِ عُمقِ المَورِدِ؛ ونُبلِ لُحْمةِ هُوِيةِ المَنشأِ الوطنِي العرِيقِ…! ويَكفِينا مَكرَمةَ ألأرُومَةِ، ومَفخَرةَ المَحْتِدِ، بأنّ عَددَ الناطِقين بالعربيةِ، البالغِ نَحو نِصفِ مِليارٍ مِن الأنفُسَ، في وَسَطِ مُحيطِ دَائرةٍ مَتّسِعةٍ مِن (أحدثِ إحصائيةٍ، نُشِرَت، تزامُنًا مَع حُلولِ شهرِ رمضانَ المُبارك لعام 2023 الميلادِي… وتَوسّعًا، يَتخَطّى تِعداد المسلمين- حول العالم- حَاجزَ المِليارَي نَسمةٍ، والذي يُمثّل نِسبتُهم 25% مِن سُكانِ الأَرضِ، البالغِ عَددهم نَحو الثمانيةِ مِلياراتِ نَسَمة)*
5. قَالَ الحقُّ تبارَك وتعالَى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والبَنِينَ والقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مَنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ والخَيْلِ المُسَوَّمَةِ والأَنْعَامِ والحَرْثِّ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا واللهُ عِندَهُ حُسْنُ المَئَابِ).* يَكادُ يَجمعُ جُمهورُ المُفسّرين، عَلى أنّ صِبغةَ التزيّينِ الماثِلِ، وبَهرَجةَ حُبّ “المُزيَّنِ” المُغرِي، في قَائمةِ فِئاتِ النّعمِ الفَاتنةِ المُزَيّنةِ، مَا هِي إلَّا ابتلاءٌ وامتِحانٌ مِن رَبّ العالَمين، لسَائرِ البشرِ مِن خَلقهِ، مَع أنّ مَكانةَ وأهميةَ جُملةِ فِئاتِ النّعمِ- المَذكُورةِ في الآيةِ الشرِيفةِ أعلَاه- لَها ظاهرُ الإحسَاسِ بالذَائذٍ المَشمُولةِ بشَهواتِ المُتعِ الدنيَويةِ، جُملةً وتَفصِيلًا… ورُبّمَا زُيّنَت وحُبِّبَت مُفرداتُ تَلك النعمِ المَخصُوصَةِ- في قَائمةِ المُشتَهياتِ الدنيويةِ- مِن بَابِ الإختبارِ الربّانِي؛ لاستِقامةِ وسَوِيةِ النفسِ البشريةِ، في دَرجةِ استعمالِ اعتدالِ التنعّمِ الذاتي المُتعقّل؛ ومَرتبةِ الاستخدامِ الوظيفي الأَمثَلِ المُعتدِل، لمَكاسِب تلك النّعم، على رَأي المَبدأ القائلِ: (لَاضَرَرَ ولَاضِرِارٍ) ولَعلّ مِنحةَ فَيضِ النعمِ الربانيةِ ذاتَها، المُهداةِ للأَناسِي جَميعًا، مَا هِي إلَّا مَكرمةٌ واحِدةٌ مِن أكداسٍ مِن خِضم الهباتِ الإلهيةِ العُظمَى، بصِياغةِ دَليلِها العامِ التام: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لبَنْلْوَهُم أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمّلًا)*…. وهُنالك تَتبايَنُ وتَتنافَرُ مُعطياتُ، ودَرجاتُ، ومَراتبُ تَمكِينِ وتَمتِينِ صِبغةِ الحبّ الخَالصِ، فَيمَا تَقدّم ذِكرُه في مُستَهلّ الفِقرَةِ الثانيةِ القائمةِ، في غَايةِ تَباريحِ، ومُنتهَى أَسمَى تَرانِيمِ الحبّ الوِجداني، المُواظِبةِ على تّعظِيمِ وتَمجيدِ الذاتِ الحُسنى للوَاحِدِ الأَحَدِ …!
6. وهُناكَ تَباريحُ ومَفاتِيحُ الحبّ العُذرِي، الذِي مَا تَلبثُ إلَّا أن تُحكِمَ بقبضتهِا الفاتنةِ، بين شِغافِ القُلوبِ المُتحابّةِ المُتوادَّةِ؛ لتُذكّي بشّديدِ نَزلتِها المُصوّبةِ، آصَرة لهفةِ الشّوقِ؛ وتُشعِل بمعِيةِ صَعدتِها المُتنامِيةِ، حَرارةَ سِهامِ الحبّ المُستهَامِ النافِذةِ بين قُلوبِ العشاقِ الوَلِهين… هذا وقَد تحدّثتُ في خّاطرةٍ سَابقةٍ عن قِصةِ الحبّ العُذري بين قَيسِ بن المُلوّح، ولَيلَى العامِرية، ومَا اكتوى به قلباهما، مِن شِدّة الشوقِ، وأَلمِ الفِراقِ، وتباريحِ الحبّ المُغرَم… وفي دِيباجةِ هذه الخاطرة، سَأتحدّث بإيجازٍ، عن قِصّةِ حُبٍّ عُذرِي أُخرَى: “جَميل وبُثينة”… (حَدثت في العصر الأمَوي، حَيث جَرت أَحدَاثَها المُوثّقةَ، في عَهد الخليفة الأمَوي عبدالملك بن مَروان… وكِلا العاشِقين مِن “بني عُذرة” وهي قبيلةٌ سَكَنت بوادٍ خصبٍ بشمال الحجاز… ومِن اسم تلك القبيلة، نُسِبَ إليها “الحُبَُ العُذرِي”… وبعد أنْ شَاعَ وذّاعَ خبرُ حَميمِ اللقاءاتِ السرّيةِ المُتكرّرةِ بين العاشِقين المَعنِيَين؛ وانتِشار الشِعرِ الجُنوني السّادِي، لجَميل بن مُعمّر، في حُب بُثينة، وقد غَطّاها مِن أعلى الرأسِ إلى أَخمصِ القدمِ… رَفضَ أهلُ بثينة تَزويجَها لجميلٍ، عندما تقدّم لخِطبتِها؛ حِفاظًا على سُمعةِ القبيلةِ، وعَاداتِها القبليةِ المُحافظةِ، آنذاك؛ وزوجُوها مِن فَتى آخر، اختارُوه لَها… غير أنّ أجزاءَ مُسلسلِ اللقاءاتِ السريةِ، بعَاشقِها، لَم تَنتهِ، حتّى بَعد زِواجِ بثينة؛ وقَد شَكا أهلُ بثينة أَمرُ اللقاءاتِ السريةِ بين العاشِقين المُدَلَّهَين إلى مَقامِ الحَاكِم؛ حَتى تمّ إصدَارِ الحُكمِ بهدرِ دمِ جميل… )*
الهوامش:
* د. روحي البعلبكي- موسوعة روائع الحكمة والأقوال الخالدة- دار العلم للملايين ط 8 ص 632
* يويوب- موقع مجلة قلوبل مسلم بوبيوليشن
* سورة آل عمران- آية 14
* سورة الكهف- آية 7
* يوتيوب- قناة أسطُر، بتصرف