عندما يشتد الألم على أي شخص يسارع إلى تعاطي مسكنات الألم التي تباع في الصيدليات دون وصفة طبية، وبالرغم من لجوء غالبية المرضى إلى المسكنات، تؤكد الدراسات أن الاستخدام المنتظم وطويل الأمد لها يضر كثيرًا على المدى البعيد، ويؤثر على الصحة سلبًا.
في هذا المقال سيتركز الحديث عن خصوصيات العلاج الدوائي، ومخاطر الاستخدام غير الحكيم للأدوية.
بداية وقبل أن نذكر تلك الخصوصيات والمخاطر لابد أن نتعرف على وظيفة وطبيعة الدواء من منظار علمي، فالأدوية هي مستحضرات طبيعية أو كيميائية مكونة من مادة أو أكثر محضرة بغرض العلاج أو الوقاية أو لمنع حدوث مرض في جسم الإنسان، وقد تستخدم لتشخيص حالات طبية، أو إصلاح أو تغيير الوظائف الفسيولوجية، ويتم إنتاجها من قبل شركات دوائية مختصة ومسجلة رسميًا في بلد المنشأ ومراقبتها من قبل الجهات الرقابية المسؤولة، وتستخدم ضمن حدود وضوابط علمية، وغالبًا ما يلجأ الأطباء إلى استخدام الأدوية لعلاج الأمراض التي قد تصيب الإنسان أو عند الحاجة إلى وقايتة من الإصابة بالأمراض المحتملة.
الأدوية المصنعة كيميائيًا غير مأمونة الجانب بشكل عام، كونها مركبة من مكونات تبرز فيها خفايا وأسرار، مسجلة فاتورة مرتفعة الثمن، فهي وسيلة إضعاف واختلال في موازين الطبيعة، في حين أن الأدوية الطبيعية هي الأضمن والأفضل وأقل ضررًا وتكلفة من الأدوية المصنعة الرائجة، وقد شهد مجال التداوي بالنباتات والأعشاب تطورًا كبيرًا وأصبحت بحق من أهم المصادر الطبيعية للدواء.
تهتم الأدوية الكيميائية بتخفيف الآلام، لكنها لا تهتم بصحة الأجسام، وقد خلصت التقارير العلمية الحديثة إلى أن الأدوية إن شفت عرضًا لكنها لا تشفي مرضًا، لذلك تحولت الأمراض إلى أمراض مزمنة، وظهر الاتجاه القوي نحو العودة للطبيعة، التي أثبتت جدواها وقيمتها الطبية واستعمالاتها العلاجية. لقد كان الناس فيما مضى مليئين بالعنفوان والقوة، هم يعتمدون على الطبيعة وحدها فيما يأكلون وما يشربون، كما يعتمدون عليها في علاج أمراضهم ودرء الأخطار عن أجسامهم، ومع النهضة العلمية في ميدان الطب التي تنامت في عصرنا الحالي، وعلقت عليه البشرية آمالًا كبيرة في عالم أفضل، برزت أهمية الأدوية الكيميائية التي صنعها الإنسان، وحققت سمعة كبيرة على حساب الأغذية والنباتات الطبيعية المشبعة بنور الشمس، وبالعصارات الحية، إلا أنه وبعد مرور السنون ومع كثافة استخدام الأدوية الكيميائية، ومعظمها خطر، عادت بخيبة أمل كبيرة، أفسدت الأجسام وحرمتها من وسائل الدفاع، فأنقصت من مقاومة الأجسام ووقعنا في براثن الأمراض والتبعات. لقد كان من المتوقع، بعد انتشار الأدوية الكيميائية وتنوعها، أن يتراجع المرض وتزداد السيطرة عليه، لكن واقع الحال يشير إلى غير ذلك، فقد عرف الإنسان الحديث أمراضًا لم تكن معروفة من قبل، بل ودخلنا عصر الأمراض المزمنة والمستعصية، من جانب آخر فإنه في كل يوم تقدم لنا مراكز الأبحاث، وكذلك منظمة الصحة العالمية، كشفًا جديدًا عن الدور الخفي الذي تلعبه المخلفات الكيميائية التي صنعها الإنسان وعن آثار جانبية كثيرة ومعظمها خطر، وأصبحت هناك قائمة سوداء للأدوية التي تقتل بصمت تزداد تدريجيًا!
لا شك أنّ اتساع محيط دائرة ما نتعاطاه من الأدوية الكيميائية يكبر شيئًا فشيئًا، ومصانع الدواء تضخّ الكثير من منتجاتها المختلفة في الأسواق بصورة مستمرة، ولا تزال تنتج أصنافًا دوائية جديدة بين فينة وأخرى دون الحاجة إلى تجارب بحثية تثبت فاعليتها وأمنها على صحة الجسم والتي قد تستغرق سنين طويلة، ويتم تعميمها عالميًا، وجميعها تقريبًا تسبب آثارًا جانبية سيئة، وهذا يجعل من تلك الظاهرة المرضية مشكلة نامية الأطراف، والجسم الإنساني الذي يدفع ثمن ذلك غاليًا في قائمة طويلة من الأمراض، وقد يترتب على ذلك ظهور مضاعفات خطيرة قد تهدد الحياة.
ثمة قائمة طويلة من الأدوية التي تلاعبت بها أيدي مافيا الدواء في أقبية مختبراتهم، وثبت خطرها وتم سحبها من التداول، فماذا يعني سحب دواء من السوق، طالما حاز على شهرة دولية في مجال العلاج، وغني عن القول إنه استعمل من قبل الملايين في العالم وتسبب بِكَمٍّ لا يعلم به إلا الله من الأضرار قبل أن يلغى قرار سحب دواء بعد فترة طويلة من استعماله بناء على اكتشاف خلل في جودته أو ثبت ضرره على صحة المرضى يكشف لنا الوجه القبيح لمافيا الدواء، فقد أوردت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” أن بعض كبار العلماء المتعاقدين مع المؤسسة الوطنية للصحة في أمريكا ينشرون أبحاثًا كثيرة ذات نتائج متميزة لصالح بعض شركات الأدوية مقابل رشاوى كبيرة، وعندما لا تجدي الرشاوي نفعًا، يبدو أن التضييق يتولى المهمة “أولئك المرضى الذين استخدموا هذا الدواء لهدف علاجي، هم في الواقع مختبر تجارب بشرية، فكر مادي مهيمن على مراكز الأبحاث العلمية بسلطة الإعلام والتسويق كون تأثيرهما إيجابيًا، إذ تساعد على توجيه البحوث دون الحاجة إلى إجراء التجارب الكافية، كما أن المرضى لا يملكون قرار التوقف عن استعماله رغم معاناتهم مع المرض نفسه، ووجود آثار جانبية مصاحبة من جراء تناولهم ذلك الدواء، فكم من أدوية أُقرت ثم بعد سنوات وجد أن لها عواقب كارثية على المريض، وبحسب إدارة الغذاء والدواء الأمريكية “فإن المريض إذا لاحظ عند تناوله لدواء بعينه أن حالته الصحية تتدهور، أو لا تتقدم فإن هذه إشارة قوية على أن الدواء مغشوش أو مزيّف” في هذه الحالة على المريض التوقف مباشرة عن استعماله، وكما هو معروف فإن غالبية الناس يعانون من أمراض مزمنة دائمة على مدى حياتهم، وليس من المستغرب أن يكونوا أكثر المستهلكين للأدوية، وباتت الأمراض تتوالى بسرعة كبيرة، وعلاجات مستمرة طويلة الأمد، وتكاليف باهظة، نلوم الأطباء وبالخصوص أطباء القطاع الطبي الخاص الذين يغالون في الوصفة الدوائية خاصة أن غالبية المرضى يحصلون على أدويتهم من صيدليات المستشفيات لامتلاكهم تأمينًا طبيًا، والهدف هو تضخيم حجم الفاتورة، هذه ظاهرة مؤلمة وتأثيراتها خطيرة، وقد تُكْتَبْ الوصفة دون علم أو معرفة بطبيعة تلك الأدوية في تركيبها أو تأثيراتها، حيث إن هَمْهم الوحيد الحصول على نسبة ربح محفزة، وتحقيق كسب مادي لصاحب المنشأة، دون النظر إلى الجوانب الإنسانية والشرعية، ويؤكد صيادلة أن بعض العاملين في الصيدليات قد يتجاوزون مهنتهم في صرف الأدوية في محاولة لمضاعفة مبيعاتهم ركضًا وراء الأرباح والعمولات التي قد يجنونها من خلال البيع، خصوصًا للأدوية “اللا وصفية” مثل المسكنات والفيتامينات، علاوة على الأدوية التي لا تحتاج لوصفة طبية، حيث يحصل الصيدلاني في الغالب على نسبة من مبيعات تلك الأدوية من شركات الأدوية، مثل هؤلاء الأطباء والصيادلة ارتكبوا أخطاء كثيرة ومخالفات عديدة أساءت إلى مهنتهم الإنسانية، وانعكست سلبًا عليهم وعلى أهمية دورهم الأساس في العملية العلاجية، هي حالة من (الغباء) في أداء بعضهم تضر أكثر مما تنفع، لجوء الطبيب لوصفة مكونة من عدة أدوية في آن واحد يتوجب عليه شرح طريقة استعمالها بطريقة آمنة، لا بد أن يأخذ في الحسبان القواعد العامة قبل وصف الدواء وهي: تحديد نوعية العامل المسبب للمرض، ووضع المريض العام، ووجود أمراض مرافقة، والقصر الكلوي، والحساسية إزاء المضادات الحيوية الموصوفة، وقد علمتُ أن أطباء يفرطون في وصف دواء لأطفال لم تتجاوز أعمارهم 5 سنوات، وسبع أدوية مختلفة دفعة واحدة، كومة من الأدوية والمضادات الحيوية يترتب عليها عواقب خطيرة، كما أن هذه الأدوية قد تؤثر على سرعة نمو الطفل، مثل هذه الوصفات يتم إعطاؤها في وقت واحد لأطفال تقل أعمارهم عن الخمسة أعوام؛ ظاهرة مؤلمة وتأثيراتها خطيرة، وعواقبها كارثية، تصرفات غير مسؤولة، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هذا الكم الهائل من الأدوية؟ بالتأكيد بدافع جني أرباح مالية من الشركات المصنعة ومستودعات الأدوية، فأجسام الأطفال لا تتحمل بعض الأدوية المسكنة والمزيلة للألم والخافضة للحرارة بسبب انخفاض في نشاط الإنزيمات التي هي الضابط لعملية التحول الحيوي، مما يقود إلى ظهور تأثيرات دوائية جانبية خطيرة أو مميتة أحيانًا، مما يوجب على الطبيب توخّي الحذر قبل وصف الدواء إلى هذه الفئة العمرية الحساسة، بعض الأطباء اعتبر كتابة وصفة خيالية أمرًا غير واقعي وغير مسؤول، وهذه لها تأثير على امتصاص الأدوية واستقلابها وطرحها وحركتها في الجسم، تبدأ الرحلة من قرص دواء تم تناوله، ويمر بمحطة تلو أخرى، إلى أن تظهر آثاره السلبية في نهاية الرحلة بعد سلسلة طويلة من التفاعلات الكيميائية داخل الجسم، وتتمثل في المخلفات الكيميائية التي تتراكم ضمن أنسجة الجسم، وتصبح غير ذات جدوى، لتخضع فيما بعد إلى عملية إخراجها من الجسم، بغية تنقية الدم والأنسجة من تلك السموم، ويجدر بالذكر أن للكبد والكلى دورًا مهمًا في عملية إخراج الدواء، لكن من الصعوبة بمكان استمرار قدرة تلك الأجهزة بذلك الدور، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل الكلى والكبد في القيام بدورهما المطلوب! لذلك لا بد من تجنب استخدام أدوية غير ضرورية للمريض وأن يوصف له أقل ما يمكن من الأدوية، لتفادي التداخلات الدوائية والغذائية الخطيرة، فلا يخلو دواء من الأعراض الجانبية، وتتفاوت تلك الآثار بحسب نوع الدواء وفاعليته وتعدد استعماله وكيفية تناوله، والضابط في استخدام أي دواء هو حينما تغلب الفائدة المحتملة على الضرر المحتمل.
وهذه الحقيقة تدعونا إلى إعادة النظر في قائمة الأدوية المصنعة التي لا ندري شيئًا عن تركيبتها ومواد حفظها وأصباغها ومستحلباتها، ومن يدري فقد يكون غزو الأمراض والأوبئة لأجسامنا وانتصارها علينا يعود إلى الفوضى الدوائية وتخلّينا عن نظام دفاعي مذهل ورائع، وأغذية طبيعية، أنعم الله بها علينا لمقاومة أمراضنا وتغذية عقولنا وأجسامنا.
وأخيرًا، مهما يكن من أمر القبول أو القبول الحذر أو القبول القسري للدواء الكيميائي، فإن الركيزة الأولى للدواء الكيميائي هي الذهنية المستندة إلى العقلانية في تناولها. وللحديث بقية.
منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات