حالة يجدها الطفلُ في لعبة، الجائع في لقمة، العابد في سجدة، العالم في كتاب، السخيّ في العطاء، الأمّ في ابتسامة رضيع، والفلاح في خضرة شجرة. ولكي لا أطيل عليك هناك حالات لا متناهية كلٌّ يدّعي أنه يكون في تلك اللحظة أو الحالة “سعيدًا” أو يزعم مقاربة السعادة!
القارئ الكريم، متى ما وجدتَ في الدنيا “سعادة” خذها واستمتع بها ما دامت من حلال وفي حلال، اصنعها وبثّها بين الناس! سمّ ما شئت من متع الدنيا – الحلال – خذها لك قبل أن تنقطع وتزول فكما يقول الإمامُ علي عليه السلام:
إِذا هَبَّت رِياحُكَ فَاِغتَنِمها ** فَعُقبى كُلُّ خافِقَةٍ سُكونُ
وَلا تَغفَل عَنِ الإِحسانِ فيها ** فَما تَدري السُكونُ مَتى يَكونُ
وَإِن دَرَّت نِياقُكَ فَاِحتَلِبها ** فَما تَدري الفَصيلُ لِمَن يَكونُ
إِذا ظَفِرَت يَداكَ فَلا تَقصِّر ** فَإِنَّ الدَهرَ عادَتَهُ يَخونُ
نحتاج أن نتعلم صناعة السعادة فهي فنّ ومهارة أصعب من حياكة السجاد باليد؛ يتقنه القليل ويحتاج إلى صبر، ويقال إن المعطين لغيرهم والمتسامحين هم الذين يتقنون هذا الفنّ أكثر من غيرهم! يا سبحان الله، قرويّ في كوخ، بدويّ في خيمة يرعى أغنامًا! تراهما أحيانًا أسعد من صاحب المدينة وساكن القصر الموسر!
ما في الدنيا هي بهجة وفرحة زائلة تشبه ظلّ السعادة أو خيالها، لكن السعادة في الآخرة هي حالة صافية من المشاغبات والمنغصات وحالة فيها شعور بطمأنينة الاستمرار والدوام. لا أعرف أينَ ومَتى وكيفَ يشعر القارئ الكريم والقارئة الكريمة “بالسعَادة” إنما السعادة التي يعرفها القرآن الكريم هي: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}: حالة تتسم بالبقاء في البعد الزمني والدوام والعطاء اللامحدود في البعد النِعمي!
ولأننا اعتدنا على معرفة الشيء بمعرفة نقيضه “فالشقاء” عكس السعادة وهو البلاء والمحنة {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}! كلتا الحالتين – الشقاء والسعادة – في الآخرة نتيجة لأعمالنا في الدنيا. سعداء في الآخرة من خلال أعمالنا الخيرة في الدنيا وعون الله لنا “اللّهُمَّ ما بِنا مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ” أو أشقياء بسبب ما عملناه من سوء في دار الدنيا “على نفسها جنت براقش”!