سيرة طالب (٥٣)

(مذكرات المنتديات)

الشعر الحديث لا يعني شيئاً ! !

تمر علي كثيرا مقولة النقاد (الشعر الحديث لا يعني شيئا)، فهل هذه المقولة صحيحة؟
حاولت ان استنبط لها معنى اتمنى أن يكون مصيبا لما هو في عقولهم .. وربما يحل شيئا من العقدة التي تصيب الكلاسيين من هذه المقولة فكتبت:
يتميز الشعر الحديث عن القديم بان الاول قد لا يعني شيئا، والثاني دائما يعني. وهذه المقولة النقدية ليست مقبولة بهذا النوع من الطرح .. والذي يحل الاغتشاش الذي فيها نقول: إن الشعر تارة يكون مفرغا من اي محتوى، وانما هو مجموعة متراصة من الكلمات فهذه الدادائية التي رفضها النقاد حديثا.
واخرى يكون مكتوبا على أن يوحي ولكن ليس شيئا محددا، وهذه مقولة الشعر الحديث .. ومعنى الايحاء ان يؤسس لك النص حالة .. اي يُحزن لا انه يصف الحزن .. ويغضب لا أنه يعبر عن الغضب .. وهو طاقة جمالية لا أنه يحدد معنى للجمال هنا تختلف الايحاءات بحسب كل قارئ، وبحسب كل ظرف .. فلا معنى محدد ، بل لا معنى ابدا ، لان المعنى احالة، وهو لا يحيل بل يوحي … فالشعر الحديث لا يعني شيئا، أليس صحيح بعد ذلك ؟
قد لا يكون الامر واضحا الا بممارسة قرائية جادة للشعر الحديث ..

الحداثة ( المفهوم )
الحداثة المفهوم تعبر عن مشروع عام يتصل بجميع انماط الحياة ومستوياتها، وهي تعتمد على سمة التجاوز، وكسر النمطية في الممارسة الحياتية، ولكن الذي يهمنا هنا الحداثة الشعرية التي تعني بحد تعبير أدونيس – الذي يعد ابرز من نظر لها في الوسط العربي – : (الاختلاف في الائتلاف ).
فالاختلاف ان تفارق، والائتلاف ان تتصل .. الاختلاف هو التغيير والخروج عن السائد من اجل المواكبة الحضارية. والائتلاف هو الوقوف على قاعدة تراثية تكون منطلقا .. الاختلاف ان تكون انت لا غيرك، والائتلاف ان لا تفقد لونك وخصوصيتك .
اذن الحداثة الشعرية تعتمد على عمدين هما:
1- النزوع والتطلع للخروج على ما هو سائد، والاندفاع وراء العقل المفارق.
2- الانشداد للتراث من اجل التأصيل والخصوصية.
فالاختلاف والائتلاف كلاهما موت اذا اخذ وحده، وهما حياة اذا تراكبا وتكاملا.
وبكلمة: الحداثة هي مشروع المفارقة للواقع، انطلاقا من الهوية .. وهي الصعود على سلم التراث للوصول الى
اضافات نوعية.

الحداثة ( التعامل مع المصطلح )
ثمة عدة مصطلحات ممتزجة لا نجزم بأنها اصبحت محددة إلى المستوى الذي نستغني فيه عن التحديد في بدء المعالجة الفكرية، وأذكر هنا في البدء عدة مصطلحات في حاجة ماسة للتحديد هي :

١- الشعر الحديث : وغالبا ما يقصد به الشعر الذي تكون في مطلع عصر النهضة حتى نهاية الاربعينات والبعض يطلقه على الكم الشعري من عصر النهضة الى يومنا هذا ، فالحداثة هنا مفهوم زمني لا فني، اي لا ربط له بكون الشعر موزونا ام غیر موزون.

٢- الشعر المعاصر : وهو الشعر الذي نعيش حقبته الراهنة، ولكن يؤخذ في مفهومه رؤية فنية، هي ان يكون الشعر من الشعر الحر او الكتابة الجديدة فتكون المعاصرة سمة زمنية وفنية في نفس الوقت.

٣- الشعر الجديد : ويقصد به النمط الشعري الذي افرزته المواكبة الفنية للعصر الحالي، وتنتمي له كل الاشكال الشعرية الجديدة من الشعر الحر وقصيدة النثر والكتابة الجديدة فتكون سمة الجدة سمة فنية بحتة.

٤- الشعر الحر : وهو الشعر الذي تحرر من القيود الكلاسية الموروثة سواء كان تحررة من الشكل العروضي التناظري ام من الايقاع الخارجي بالكامل، وهو يشمل شعر التفعيلة الموزون وقصيدة النثر .

٥- شعر التفعيلة : وهو الشعر الذي حافظ على التفعيلة الخليلية حضورا ولكن فارق الوزن العروضي في تحديد امتداداتها، فلم يلتزم بعدد خاص من التفعيلات، حتى برزت لنا القصيدة المدورة التي تمثل امتدادا طويلا للتفعيلات لا يقدر عددها.

٦- قصيدة النثر : وهي التي تعتمد الموسيقى الداخلية التي تتفجر من الطاقات اللغوية، وتقاطع الايقاع العروضي بكل مستوياته، والبعض يحب أن يطلق الشعر الحر عليها لتحررها التام من القيم العروضية التقليدية.
وينبغي التنبيه على ان معظم النقاد الجدد يطلقون الشعر الحديث على كل هذه الانماط تسهيلا لأنفسهم في التعامل المصطلحي، حتى كاد ان يكون الشعر الحديث مصطلحا على الشعر الذي يطمح للتجديد والابداع اي يطمح للحداثة.



error: المحتوي محمي