الحمد لله!

قلّبتُ عنوانَ مقال هذا اليوم عن النعمِ يمينًا ويسارًا! كتبتُ ومسحت العنوان عدة مرات وأخيرًا لم أجد – ولن تجد – أفضل من كلمتي “الحمد لله”. ربِّي هذا يومٌ جديد، طلعت علينا فيه شمسك وهذه نعمك تغمرنا وتمطرنا، كل ذلك منك سبحانك، لك الحمد دون سواك.

نصحو كلّ صباح وننام كلّ مساء وننسى أن في الدنيا من لم يصحو من النوم، من باتَ في المشفى يتقلب ألمًا، من نَام يفكر كيف يجد الخبز؟ كيف يجد الماء؟ كيف يجد أبسطَ مقوماتِ الحياة؟

هل وفرة النعم وتزاحمها ولّد فينا الإحساس المتبلد؟ الرجاء من الله أن يكون ذلك التبلد غير موجود، إنما الشكر والحمد هو الموجود. وفرة النعم شملت كلّ نواحي الحياة؛ الأكل، الصحة، المواصلات، التعليم، المسكن، الأمن والأمان، عدّ ما شئت من النعم التي نعرفها والتي خفيت عنا!

القارئ العزيز والقارئة العزيزة إن كنت من فئة الشباب ولديك أب أو جدّ على قيد الحياة دعه يحكي لك حكايا الماضي؛ الخبز والماء والكثير من الأمور نأخذها من المسلمات الآن، بينما في الزمن الماضي كانت من الأمور الصعب الحصول عليها! وإن كنت تظن أن هذه المصاعب اختفت عند كل البشر، فظنّك في غير محله! أناس كثيرون يقاسون في هذا الزمان ويشربون كؤوسَ الحياة ممزوجة بالتعب والدموع!

نصيحة جميلة جدًّا يقدمها الإمام الصادق عليه السلام وكأنه يحاكي ما نحن فيه هذا الزمان من كفر النعمة: “أحسنوا جوار النعم، واحذروا أن تنتقل عنكم إلى غيركم، أما إنها لم تنتقل عن أحدٍ قط فكادت أن ترجع إليه”. لا نحمد ولا نشكر ونتَأفف؛ هذا يعجبني وهذا لا يعجبني وكأن الله مدين لنا بدينٍ وتأخر عن الوفاء به!

أغرقتنَا في نعمك يا رب؛ ملايين بل مليارات من النعم تتوالى علينا كل لحظة ودقيقة من أعمارنا وكلها توجب الشكر {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}. أنت صادق يا رب عندما قلتَ: لا تحصوها! هات – أيها القارئ الكريم – حاسوبًا كبيرًا وجرب إذا كنت تقدر على عدها!

خلاصة الفكرة: لو سألتَ كلّ فرد وزرت كل منزل لوجدت فيه من النعم ما لا يحصى! لهذا يجب أن يظهر الشكر على شفتينا بالحمد ويظهرَ العرفان على أفعالنا:
إِذا كُنتَ في نِعمَةٍ فَاِرعَها ** فَإِنَّ المَعاصي تُزيلُ النِعَم
وَحافِظ عَلَيها بِتَقوى الإِلَهِ ** فَإِنَّ الإِلَهَ سَريعُ النِّقَم

فكر في الحقيقةِ التالية: كلّ نعمة أنت فيها هناك من النّاس من يتمناها وكل شدّةٍ أنت فيها هناك من النّاس من هو في محنةٍ أشدّ منها! تواضع وقل: “الحمد لله” كنّا بالأمس نفتقد كثيرًا من النعم التي نراها اليوم وافرة وغيرنا يموت – اليوم – لكي يحصل عليها.



error: المحتوي محمي