من الجمعة إلى الجمعة.. مدائن الفضائل

لماذا لا تسود أواصر المحبة في مجتماعتنا وبينها؟
ما الذي يمنع أن تنتشر بيننا أفرادًا وجماعات أو نعمل على ذلك؟..

هي ثقافة.. متى ما اعتدنا عليها فسوف تكون صفة لصيقة، وسمة دائمة في كل واحد وواحدة منا، وليس من الصعوبة الوصول لذلك متى ما قررنا، مستعينين على إرثنا وديانتنا وصِلاتنا، وأخال أننا نُكن ذلك فطريًا، كما أن كل النواميس والأعراف تتضمنها وتحث عليها ذلك فضلًا عن القوانين الوضعية التي تنشد الوصل لهذه الغاية الفضلى التي يراد منها صلاح المجتمعات..

الإنسان بإنسانيته ليس قاصرًا بل هو في كامل التقويم والذي جمع فيه الله -عز وجل- فيه الصفات الحسنة من خلق وعقل وملكات، وما عليه سوى تفعيلها وتسخيرها لتشكيل ذاته، ولا أظن أنا القاصر أن الله جعل لها مقابلًا قبيحًا، فلا يمكن أن تكون الكراهية قبالة المحبة، فالمحبة أصيلة، أما الكراهية فهي مكتسبة دخيلة، وصفة شيطانية تكبر في الإنسان وتستوطنه متى ما اعتاد عليها.

وهكذا باقي الصفات الحميدة الأخرى كما المحبة تمامًا، مع عدم النفي بوجود من اختلت بهم الموازين ليخالفوا الطبيعة البشرية الخلاقة إلى أخرى قبيحة يجب العمل على تقويمها قدر الإمكان وإن استحال ذلك كليًا.

نستطيع أن نتجنب الخلافات والصراعات البينية بأبسط الطرق والحلول، ولا أنجع وأسرع من التسامح والتقارب وحسن الظن بالآخر.

نستطيع أن نُداخِل القلوب بين بعضها بالابتسامة والبشاشة والاحتضان ونشر السلام والتحاور والتزاور، والتحاور لإزالة أي خلاف في حينه قبل أن يتعمق ويستفحل، فلا بد من وجود حل لكل مشكلة، بتغليب الحكمة والحلم والمصارحة، لأن البديل لذلك هو التباعد والتباغض وربما العداوة، وهذا ما يعمقه ويؤججه ويمدده إلى أجلٍ لا يعلم مداه إلا الله تعالى، وربما إلى ما لا نهاية.

فلا عجب أن نرى بعض الخلافات ومع الأسف تمتد بين الناس لسنين وعقود وربما للعمر كله، فضلًا عن بعض الأقارب والأرحام والذين نستغرب كيف تستمر بينهم القطيعة وانسداد أفق الحلول والعياذ بالله.

لا توجد أعذار لذلك، ولا مبررات لأن نحمل أوزار بعضنا بعضًا بالتهم والنميمة والغيبة والبهتان وتعاظم الأحقاد، بل وبما هو أدهى وأعظم، بأن يصل الحال لدرجة المكائد وأعمال السحر والشعوذة بطرق وقصص يندى لها الجبين راح ضحيتها أشخاص وعوائل تفكك شملها.

نعم هناك خلافات ربما تكون مشروعة، وتحتاج حلولًا مختلفة، وهي خارج حديثنا هنا لأنها لا تقاس تناسبًا مع أغلب الخلافات التي لا تصمد أمام الحل، لأن غالبها سببه سوء الفهم والتقدير أو المكابرة والتعنت من أحد الطرفين أو كليهما على أمور ربما هي أتفه من أن نذكر لها أمثلة، ولكنه تصل إلى درجة ضرورة تدخل أصحاب الحكمة والفضل في هذا المجتمع أو ذاك حتى يزيلوها ويصيروها إلى تصالح وتسامح وتقارب ومحبة ووئام.

نعم، نحن قادرون على نشر المحبة، تمامًا كما نحن نفعل بين أرحامنا وأصحابنا وعوائلنا الكبيرة والصغيرة، فلماذا لا نعمم ليكون ذلك على مستوى الجيرة والحي والقرية والمدينة حتى نصل للمجتمع الواحد، ليكون مجتمعًا فاضلًا بالنسبة الأعم.

إن بيننا الكثير من الحكماء والعلماء والمثقفين والقديرين الذين نثق بهم وفي صدقهم وحكمتهم، ومن يستطيعون تغليب الفضائل ونشرها بين الناس، وما علينا نحن سوى أن نبدأ بأنفسنا، وأن نربي عليها أبناءنا وبناتنا منذ الصغر حتى تتشكل لنا أجيالًا وأجيالًا على حب الفضلية، وفضيلة المحبة ولكي نبني مجتمعات فاضلة نهجها القوامة وسلوكها الأخلاق الحميدة وغايتها القصوى هي الوصول إلى ترابط بين القلوب والأرواح لا ينفك أبدًا.

وقفة: لأسباب خارجة عن الإرادة حُذفت مقالة الجمعة الفائتة بعد نشرها مباشرة، تفاديًا لأي لبس وسوء ظن قد يحدث، والشكر موجه للأستاذ السيد ماجد على تفهمه لذلك.



error: المحتوي محمي