بعد مرور الفصل الأول من الدّراسة، تقدّم إلى خطبة حنان رجل، يعمل مُهندسًا في إحدى الشركات المرموقة، رجل مليء قلبه بالطيبة، ومن عائلة لها سمعتها، حيث تُعد من العوائل، التي تتمتع بعلاقات اجتماعية راقية.
في المساء، بينما حنان في مرسمها، تقوم بعمل لوحة للمدرسة، تحكي عن الأحياء القديمة في المنطقة، أحضرت والدتها القهوة، وبجانبها والدها، وهُما يبتسمان.
رمقتهما بطرف عينيها، وكعادتها تُلاطفهما، ما لي أرى الحياة بكلّ ألوان السعادة في مرسمي، لقد شرفتما هذا المرسم المُتواضع، وهذه الفنانة، التي لم تخطُ في الفنّ إلا بضع شذرات، يا لرائحة القهوة، جاءت في وقتها.
جلسا، وهما ينظران إلى بعضهما، وقامت حنان بسكب القهوة لهما، وهي تقُول بابتسامتها البريئة: يبدو أنَّ خلف هذه الزيارة المفاجئة مُصيبة ما.
ارتعش الفنجان في يدها، سقط بعض منه على ملابسها، ارتبكت، أعادت أمها عليها الخبر.
لقد تقدّم إلى خطبتك المُهندس أحمد، ابن الحاج علي، خُذي راحتك في التّفكير، بالنّسبة لنا، نجده زوجًا مُناسبًا، تعلمين أنَّهم جيران لنا مُنذ سنوات طوال، ونعرفهم، كما نعرف راحة يدينا.
لم ترد عليهما، تركاها في غمرة وحدتها، بين ألوانها، وانصرفا.
إنَّ لحظات التفرد مع الذات، والإحساس بالدّفء في حضرة فنجان قهوة، برغوتها، تجعل حنان، تُبحر في الخيالات، فالمرأة، تحلم بفارس أحلامها، أن يأتي على فرس أبيض، هرولت إلى حُجرتها، تناولت هاتفها النّقال، وقامت بالاتصال بياسمين، وطلبت رُؤيتها في المساء لأمر مهم.
مُغرقة في ذاتي، التي أسافر إليها، لأحيل المسافات شيئًا، يشي بالبوح، كتأمل طفل، ها هنا، الآن، يقُلب أوراق قصة، عشق الرّسومات بين زواياها، وينظر إليَّ، كأنَّي أصغي إليه، إلى عينيه، لأجده يُحدثني من خلالها، بأنَّه سيقرؤها ذات يوم. تكتب ياسمين
ماذا أفعل؟ تسأل ياسمين بحُزن
إبراهيم، يُعاني ضائقة مادية، يبدو أنَّ مُشكلة ما واجهته في العمل، لا يُريد أن يُخبرني بها، ولكنَّ إحساسي لا يكذب.
يا إلهي ألهمني الحقيقة، وكيف أتصرف معه، هل أوافق على استخراج قرض من البنك على راتبي، ولم أكمل عامًا في الوظيفة، وإلى هذه اللّحظة لم يتحقق حُلمي، لأكون أمًا.
الحقيقة تُوجع القلب غالبًا، ويُطببه النّسيان، قررت ياسمين أن تنسى موضوع الفرض، فإن أعاد عليها طلبه، وألح فيه، ستقوم بتنفيذ ما يُريد، لعله بهذا العمل، يتغير في علاقته معها، وينزل عند رغبتها، لتعيش الأمومة.
رجعت إلى قرطاسها، لتبُوح:
ذات مساء أهداني زهرة حمراء، ولكنَّه وضعها في أصابعي، ليجرحني الشّوك، كما وضعتها في أصابعه ذات مساء آخر، فأمنحه الطّمأنينة والرّاحة، لتمرّ الأيام، ولأكتشف أنَّ الكثير من الأشياء، هي كذبة صدقتها، ومضيت حياتي في إثرها، السّراب، لم يعُد موجودًا في الصّحراء، يحتضنها الرّمال، لكنَّها في هذه البُقعة، التي ظننتها الضفة الخضراء، الآن، أحدّق النّظر، أزاوجه مع الفكرة، مع التّفكر، كي لا أكون توأمًا للسّراب.