شكر الله

كتب أحدهم يوماً : ( وعكة صحية واحدة تخبرك بقصة الترف التي كنت تعيشها بالأمس ) !
حين نبسط أيدينا في هذه الدنيا فتطال من نعم الله مانشتهي ونحب ، ونرفع أكفنا للسماء نستنزل الأرزاق والله يمدنا من عطاؤه ماشاء ، فترانا نتقلب في نعمه مابين صحة ومال وجاه وعلم ، أياً كان عطاء ربنا كان عطاءًا غير مجذوذ ! ولكن هل ترانا بحاجة لفقد مانملك حتى نتذكر قيمته ؟ ثم تقول نفس ياحسرتى على مافرطت في نعم الله ولم أرقب قول الشكر !
حين طلبت النعم فأعطاني وسعدت ، فطلبت الرضا فأعطاني ورضيت ، ثم طلبت القناعة بما أعطاني فقنعت ، ورحت اتقلب في جنبات نعمائه فوجدتُ في شكره زيادة ، وكنت كلما دعوته أجابني ، ولكن بت في خوف من الله أن يستدرجني فيهلكني بنعمته ! فسألته تحصيل الشكر ! وكم أحب أن أرد الجميل بالجميل ، وكم بحثت في آفاق الشكر وحقيقته فوجدته بتلك الحكمة التي امتدحها الله بكتابه فقال إلى لقمان الحكيم : :{ ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله } ، فإنني أسمع على ألسنتنا نشازاً في لحن الشكر! ، لطالما كان شكر الله لغط لايليق بجليل نعمه ووافر عطائه ، كان حري بتلك الحكمة التي امتدحها الله أن تسكن قلوبنا ، فتطمئن بها آمالنا وطموحاتنا ، ترى هل قدمناها بما تستحق النعم ؟ هل جعلناها تخالط أنفسنا ؟ هل افتتحنا بها يومنا كما افتتح بها الله كتابه فقال في أول آية في كتابه العزيز الحمدلله رب العالمين ! أم قدمناها عزاء لذاتنا وكفى ! خوفا من أن ينزل الله علينا البلايا إن لم نقدم له قربان الشكر.

أرى أن الآمال البعيدة قد أغوتنا عن تحصيل الشكر الحق ! وطريق الطموح صار وعراً ضبابياً لاتكاد ترى له نهاية وعينيك تمدها إلى مامتع الله به خلقه ونسيت أن ماعندك خير وأبقى ! فما احترق قربان قابيل إلا حين مد عينيه على ما أنعم الله به أخاه ، فصارت آماله مستعرة تطال كل مابين يديه حتى قربانه ! أرى أن ذلك من أقسى مايقدمه إنسان لنفسه حين يتسابق مع الناس على حيازة آماله فإن أحرزها شكر وإن مُنِعها كفر ! فما أرقى الطموح إذا بلغ الشكر والسعي ، وما أقبحه إذا تبجح على الله وأنكر إحسانه وأياديه ! ، سمعتُ يوماً ما من يشكو فقد الذرية وتمنى لو يصبح أباً بأغلى الأثمان حتى إذا بلغه الله مراده وأتته الدنيا تبسط كفيها في هيئة طفل جميل فإذا هو يشكر الله بلسانٍ ملتوٍ : ايه أتى الطفل بعد جهد جهيد ! ما أقبح المتبجحون حين يسألون الله بعين واسعة ولم يمنعهم ! وإن أمسك عنهم رزقه ولو مدبرين !

وحين يناديك الله بلطف ويحبب لك شكره فيعلم نبيه أن أجر الطاعم الشاكر كأجر الصائم المحتسب ، وأجر الغني الشاكر كأجر الفقير المتعفف ، وأجر المعافى الشاكر كأجر المبتلى الصابر ، كان حري بك أن تبدأ يومك حين تدخل جنتك بقول ماشاء الله لاقوة إلا بالله ، وامض نحو قلمك وقدم قربان شكر لائق بربك ، لائق بإنسانتيك ، ولائق بما بين يديك من نعم ! فللشكر آداب والسعيد في هذه الحياة من استدركها !

اجعل لك عادة يومية باستذكار النعم التي بين يديك ، دوِّن وجودك وتذللك لله باستذكار نعمه واحدة تلو أخرى ، ذكر نفسك بالنعم التي اعتدتها فكدت تنسى قيمتها، ذكر نفسك أنك تنام بعافية يشترونها المرضى منك بكنوز الدنيا ولايدركونها !استشعر الحمد وأنت تنهض صباحاً معافى تمشي على قدميك دون تكلف من أحد ، خالط الشكر في جميع أمور حياتك وإن طاف بك طائف من بهجة وسعادة من غير مسبب فتيقن أن تلك رسائل السماء إليك فما كان الشكر إلا تجلٍ لصورة الرب في مكافأة العبد الشكور !


error: المحتوي محمي