مع من تُحب!

عندما نحب أحدهم نجد أنفسنا نميل للتشبه به في كل ما يحب عمله أو لبسه وحتى أكله، فقد نرتدي مثلًا الألوان التي يحبها على الرغم من أنها كانت سابقًا عادية لكنها غدت في عيوننا التي أصبحت تنظر بعين الحبيب جميلة، ونتذوق المأكولات أو المشروبات التي كنا لا نحبذها لأنها فقط بفم الحبيب لذيذة ومستحبة.

بالطبع ليس في كل الأمور وإلا كان الحب ماسحًا لشخصية الكثيرين ولم يُبقِ لهم إلا أسماءهم المختلفة، ولكن مفعول الحب الحقيقي قوي وقادر على تغيير صفة الشيء من غير مرغوب إلى مرغوب فيه.

ربما حين نتكلم عن الحب فالكثير يذهب ذهنه لعلاقة تجمع بين رجل وامرأة وقد نجد هذا الحب متشكلًا في أيام الخطوبة وأول سنوات الزواج، ولكن الحب له معنى كبير ومن الهضم تحجيمه بعلاقة خطوبة أو زواج أو حتى علاقة غير شرعية بين رجل وامرأة، لأنه من الطبيعي أن يميل الجنس للجنس الآخر رغبة في تكامل حياته فكل يحتاج إلى الآخر في بعض الحاجات مهما كابر البعض في عدم حاجته للجنس الآخر حيث إن العيش بدون الجنس الآخر ليس مستحيلًا، وفي المقابل هو ليس كل شيء فإذا لم يتم هل يعني انتهاء الحب بالحياة؟

بالطبع لا، فهناك حب أجمل قطعًا، وأعظمه حب الله لنا فحب الرب لعبده قاصرة أنا عن الاستفاضة فيه وأبسط ما نستطيع إيصاله من حبه هو حتى ونحن نختلي في عصيانه هو لا يزال لا يقطع عنا أكسجين أنفاسنا، لا يزال ينتظر ويُمهلنا ويُعطينا العديد من الفرص حتى نطرق باب التوبة ليمسح كل سجلات ذنوبنا بعفوه وكرمه إذا كانت توبتنا دون رجعة قاطعة للذنب.

وحتى لو كان يعلم إننا سنرجع للذنب ثانية هو الأرحم بنا من قلوب أمهاتنا لأن فرص التوبة لديه ممتدة حتى وصول الروح للحلق ولكن من ذا ينتهز الفرص قبل أن تصبح غصصًا، وهنا أروي رواية حنونة يرويها رسول الحنان والرحمة محمد (ص) حيث قال: إنه من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه، ثم قال: وإن السنة لكثير، من تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه، ثم قال: وشهر كثير، من تاب قبل موته بجمعة تاب الله عليه، ثم قال: وجمعة كثير، من تاب قبل أن يموت بيوم تاب الله عليه، ثم قال: ويوم كثير، من تاب قبل أن يموت بساعة تاب الله عليه، ثم قال: وساعة كثيرة، من تاب وقد بلغت نفسه هذه وأومأ بيده إلى حلقه تاب الله عليه”.

نحن بمعارفنا المحدودة قد نرى أي حب عظيم تملكه الأمهات لأولادهم ولكن حين نعلم الحجم الهائل لحب الله لعباده سيكون حب الأمهات ضئيلًا ولا يُقارن أمامه.

وبالطبع حب الله لنا هو من خلق لنا أولياء الحب الذين نادى لأجلهم بحديث كسائهم: “يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضًا مدحية ولا قمرًا منيرًا، ولا شمسًا مضيئة ولا فلكًا يدور، ولا بحرًا يجري، ولا فلكًا يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء”.

لهذا كان الحب هو غاية الدين حيث قالها كشاف الحقائق مولانا جعفر الصادق (ص): “وهل الدين إلا الحب” وجمال الحب حين يكون حبًا لله وهذا جوابه حين قيل له: جعلت فداك إنا نسمي بأسمائكم وأسماء آبائكم، فينفعنا ذلك؟ فقال: “إي والله، وهل الدين إلا الحب، قال الله: إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم”.

الحب الذي ينقلنا للحشر مع من نحب وما يفعل من نحب، رسول الله (ص) يقول: “من أحب حجرًا حشر معه”، لهذا هناك جاذبية في الحب عجيبة نستغرب كيف يرسمها الله لنا ولا نلتفت لها، أنقل مثالًا لها مسلم بن عقيل كانت علاقته مع الحسين علاقة قوية من الحب والأخوة لدرجة نجد أنه حتى لو كان مسلم استشهد خارج نطاق بوغاء كربلاء والعطش الذي حصل فيها لأنصار الحسين وأهل بيته حين منع عنهم الماء، فإنه استشهد بمشيئة الله وهو عطشان كذلك ليشارك حبيبه في عطشه، حتى حين أراد أن يصلي سُمح له بالصلاة على الرغم من أننا نعلم أن قلب العدو الذي كان عنده كفيل بقتله من فوره لكن مشيئة الله شاءت أن يُسمح له بختم حياته بصلاة وسلام على المحبوب كيف لأنه أحب الحسين فيُحشر معه.

حتى أولاد مسلم من يصدق أن ذاك الذي قتل ابنه وخادمه لأنه رفض قتلهم أنه استطاع أن ينتظر وأمهلهم حتى يؤدوا ركعتين لله لختام حياتهم؟ لماذا؟ لأنهم في حياتهم أحبوا الصلاة فأحبتهم الصلاة وكانت ختام حياتهم.

أمير المؤمنين (ع) ولد بالكعبة قبلة الصلاة وخُتمت حياته وهو بمحراب الصلاة، لأنه لو كنا نستطيع وصف أمير المؤمنين (ع) فهو ليس مجرد محب بل عاشق للصلاة ومن له تؤدى الصلاة، كانوا إذا أرادوا استلال السهام منه يستلوها وهو في الصلاة لأنه لا يشعر بما حوله لأنه ذائب في حضرة الله وفي أداء فرضه وفرض شكره.

حتى في استشهاده لم يقووا على الغدر بعلي إلا وهو في الصلاة، ليتم إعلان أن شهادة علي (ع)حدثت وهو في حال الصلاة.

حتى حبه لفاطمة(ع) والتي مثلت ليلة القدر بأسرارها كان ختام علي بليلة قدر ليلتقي النور بالنور بليلة حملت أسرار علي وفاطمة (ع).

فيا شهر الله الذي انصرم ثلثاه وأذن بالرحيل حال رحيل حبيب له كان يصوم نهاره ويقوم ليله فاخترته في الحادي والعشرين منك، وأنا لا زلت أسألك هل أنا فيك في سُفرة من حب علي أم في سَفرة عنه؟



error: المحتوي محمي