أنشودة المساكين

قد ندندن بعض الأناشيد التي تطرق سمعنا وتُعجبنا وتبقى في أذهاننا لنسترجعها وقت تواجد المزاج الصافي عن كل شاغل، بل حتى مع وجود بعض المشاغل البسيطة تجد هناك من يؤدي وظيفته وهو يردد بعض الكلمات الملحنة بصوته حتى لو كان صوته غير مؤهل للإنشاد.

يمتاز المُنشدون بخامة صوتية تستطيع التلون مع ألحان القصائد لترسم لوحة صوتية متناغمة بين الكلمة ونغمتها التي يعكسها الترنم والاهتزاز بالأوتار الصوتية، مع تحاشي وجود النشاز فيها لتكون اللوحة جاذبة للأذن السامعة.

ولم أعلم أن لدى الكثير موهبة في الإنشاد وربما لا يلتفتون لموهبتهم فيها، لأن هناك أنشودة قصيرة جدًا في الكلام تعلمها الكثيرون من الصغر وباتت هي ما يرددونه ليس في وقت الصفاء فقط بل في كل الأوقات من أول ما تفتح عيونهم من النوم وما بين تقلبات يومهم إلى حين يتوسدون وسائدهم للنوم.

أنشودة بسيطة لكنها ذات جاذبية سمعية عجيبة، ترى الأوتار الصوتية تتفنن في كيفية إلقائها واختيار النبرة المناسبة لكل وقت تُقال فيها، فتارة تكون هادئة وتعبر عن الجمال وتارة تكون حادة وتعبر عن الغضب وأخرى تكون عالية يشترك فيها القلب بإنشادها مع ماء العين لتُعبر عن الرجاء والتوسل.

أنشودة خالدة لدينا لا أحد يحتكر كلماتها وألحانها لا بل ينشدها الغني والفقير معًا، لكنها أقرب لكل مسكين كانت مسكنته بفقد إمامه الحنون الذي يرجو دومًا قربه بكثرة ندائه.

قد تستغربون أن أنشودتنا تحوي ثلاثة أحرف فقط سهلة على كل لسان من الصغار والكبار حين ينادي الجميع فيها “يا علي” بكل تصريفات ندائه، وبعدد لا نهائي من تكرارها.

وفي كل نداء هناك نكهة وطعم مختلف على لسان كل أحد حين ينشد أنشودة ولائه، فقد تكون الأنشودة مثلجة للفؤاد بقوتها وتوحدها حين يكون هناك إنشاد جماعي وتوسل بمن اشتق اسمه من اسم العلي الأعلى.

ولكن هناك إنشاد خافت ليس لشيء ولكن إرهاق الحاجة من شفاء مرض أو طلب ذرية أو أداء دين وغيرها من الأمور التي ترتسم بصورة مشكلة معقدة وغدت تؤثر في قوة إنشاده اليومي لأنها تنسى ما يقوي أنشودتها بتتمة لا بد من ذكرها في حالة الحاجة لتذكير النفس بها ولترى العجب العجاب فيها حين تنادي:
نادِ عليًا مظهر العجائبِ
تجده عونًا لك في النوائبِ

ولا يخفي أثر التكرار القلبي في الإنشاد من جعل الأنشودة أقوى لدخولها للقلوب قبل الأسماع.

وفي محضر من نناديه باسمه دون تحرج وهو من يكون أميرنا ووالدنا وسيد نعمتنا كلنا ننشد أنشودة المساكين فكلنا أيتام ومحتاجون ليد حنانه لتمسح على يُتم عقولنا وقلوبنا بنقصها بدونه، ونلتمس نظرة منه تنظر لأمراض أرواحنا قبل أمراض أجسامنا، ويد عطف تعطف على فقرنا لتطعمنا وتروينا بماء ولايته كي لا نجوع ونظمأ في زمن أعلن البعد عن نهجه.

فيا شهر رمضان في يومك العشرين الذي بانت فيه وحشة الأمير على الأيتام والمساكين وجاء فيه الأيتام ليحملوا لبنهم المذخور للشدائد ليخففوا عن سم سرى في دم والدهم العظيم، جئت أحمل اسم علي وندائه الذي رضعته بحليب أمي لأسألك هل أنا فيك في سُفرة من أنشودة المساكين أم في سَفرة عنها؟



error: المحتوي محمي