قل وأوجز

نسير في حياة تحكمها العجلة السريعة فكل شيء يجري بسرعة، أكلنا أصبح بنظام سريع ورفعنا قيمة الوجبات السريعة، لقاءاتنا وأحاديثنا مع بعضنا لم تسلم من السرعة، حتى مشكلاتنا باتت سريعة في اشتعالها.

حتى حياتنا التي نقلّب في هواتفنا فيها كثيرًا وإذا وجدنا كلامًا طويلًا نتخطاه بل ربما لا يكون طويلًا ولكن هناك من يكتفي بقراءة أول سطرين وكفى ليستنتج من نفسه ما بعده، حتى المقاطع الصوتية نسأم من طولها، أما المقاطع المصورة فإذا كانت تستدعي الضحك فلا بأس بطولها، أما إذا كانت تحوي قرآنًا أو دعاء أو حتى موعظة فلها حد ائتماني لتحمل طولًا لا يتعدى الدقيقة.

هناك من يعمل على قص بعض المواعظ أو الكلمات أو القصص لتتلائم مع هذا الإنسان العجول الذي يريد كل شيء بسرعة، ونحن نعلم أن ما يأتي سريعًا يذهب سريعًا، فكم مقطع نسمع في اليوم ولكن كم معلومة تبقى!.

فمثلًا حين نسمع أو نشاهد مقطعًا لقصة قد نستفيد منها لكن إذا عرفنا مناسبة ذكرها والاستشهاد بها حال الحديث فسيكون الفائدة منها أبقى في الذاكرة.

طلبنا للاختصار دعانا نختصر عباداتنا وصلواتنا مما أثر على فوات نصيبنا من كثير من المستحبات التي لا تكلف الكثير منا بل لأننا فرطنا فيها بداعي السرعة، حتى من كان يأخذ وقته في صلاته يتم التهكم عليه بأن صلاته كصلاة جعفر!

الغريب في قمة اختصاراتنا في الدعاء حتى بات البعض يقطع بعض الأدعية كدعاء الجوشن الكبير ليكون على عدة أيام وهو لا يحتاج إلا ساعة وبعضها، نحن نستعجل حتى في الإجابة ونريد دعاءنا الذي نطلبه اليوم أن يستجاب حالًا أو في الغد، على الرغم من أننا نكرر كل ليلة في هذا الشهر المبارك قول: (ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور).

الله سبحانه دعانا لعدم الاستعجال فقال: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُورِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}.

وهو من أهدانا الوقت ذاته منذ خُلقنا إلى يومنا هذا ولم ينقص منه شيئًا بالنسبة لنا، ولكن ما السر الذي جعل البعض في أزمان سابقة يكفيهم حتى إن الوقت كان يُعينهم في أداء مجموعة كبيرة من العبادات كالصلوات المستحبة مثل أمير المؤمنين (ع) الذي كان يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة على الرغم من معرفة الجميع انشغاله الكبير بخدمة الناس ورعاية الأيتام وتفقد أحوال رعيته وغيرها، أو من يختم القرآن كل ليلة كحبيب بن مظاهر ونحن لو استطعنا ختم القرآن مرتين في الشهر فهذا إنجاز نشعر بأننا نحتاج تكريمًا عليه في المحافل!

بالطبع السر في البركة في الوقت واستغلاله لدرجة التضحية بالنوم والراحة ولا أجد كلمة أروع مما قالها أمير المؤمنين (ع) حين طُلب منه الراحة فقال: “إن نمت النهار ضيعت رعيتي وإن نمت الليل ضيعت نفسي”.

أعود وأقول ليس كل طويل هو مضيعة للوقت لأننا لو فكرنا في انتقاء ما تستحقه أوقاتنا سنعرف من هو المضيع الحقيقي له، فليست محاضرة لساعتين مثلًا بها ذكر علي مضيعة للوقت أبدًا لأنها عبادة وأجمل عبادة حين يستأنس القلب بذكر من يحب ولا أشك في أن حب علي (ع) هو داخل في كل قلب حر بغض النظر عن ديانته.

فهذا شهر الله أحسبه يجاري سرعة الإنسان العجول بعجلة مسيره، ونحن المقصرون في العبادة فيه ماذا نقول عن عبادة أميرنا ومن حمل وسام زينة العباد حفيده السجاد(ع) قال متضجرًا حين أعطي بعض صحف أمير المؤمنين (ع) وقرأ شيئًا منها وتركها ليقول: “من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام”

فيا شهر الله في يومك الثامن عشر لا تخرجني منك إلا بعبادة علوية أكتسيها ببركاتك لأسألك هل أنا في سُفرة من عبادة علي، أم في سَفرة عنها؟



error: المحتوي محمي