آباء لا يموتون!

القارئ الكريم، هل عندك أب؟ إذا قلتَ: نعم، أدعو الله أن يطيل بقاء هذا الظلّ فوق رأسك، لأنك سوف تشعر بوهج الدنيا حالما تفقده وسوف تشعر أنك كنت شابًّا قبل أن يموت وكبرت سنوات في اللحظة التي ماتَ فيها! وإن قلتَ: لا، كيف هي الحياة بعد الأب؟ لا بد أنك تفتقده في حياتك! الأب هو الأب والصديق والرفيق في الحياة، إذا غاب عن نواظرنا لا يغيب عن قلوبنا وذاكرتنا.

من الآباء من كنّا أسرارًا من نطفِهم وفي أصلابهم ومن الآباء من نحن مدينون لهم بالتربية والتعليم. ورد في الحديث: “إن آباءك ثلاثة: من ولدك، ومن علمك، ومن زوجك، وخير الآباء من علمك”. محمد النبي محمد -صلى الله عليه وآله- هو خير معلم؛ علمنا ما هو أهمّ من الحساب والكيمياء والفيزياء؛ دلنا على الطريق إلى معرفة الله وإلى طريق الخلود، وعلمنا كيف نبني حضارةً ومجد أمّة عظيمة. لذلك كلنا نجزم بأنه خير الآباء.

قال النبي -صلى الله عليه وآله- كذلك عن أشخاصٍ أنهم آباء لنا ولهم حقوق علينا: “أنا وعلي أبوا هذه الأمة، أنا وعلي موليا هذه الأمة”. في مثل هذه الأيام من شهر رمضان يذكر التاريخ أن الذي قال عنه النبي أنه أب لنا انتقل من دار الدنيا الزائفة إلى الدار الحقيقية. دار أتعبته وأمضّت عيشه حتى قال: “ما يحبس أشقاها أن يجيء فيقتلني؟! اللهم إني قد سئمتهم وسئموني فأرِحني منهم وأرِحهم مني”!

جالت عليه وصالت الأيام والرجال وصارت الدنيا مثل المواقد حتى حدث له ما كان يرجو واستراح. أخاله وهو الذي يقول: “ما ادخرتُ لبالي ثوبي طمرًا” يلبس الآن حرير الجنة والذي يؤكد ما “كنزتُ من دنياكم تبرًا” يسكن القصور المذهبة والمجوهرة والذي اكتفى من الطعام في حياته بقرصيه هو الآن يأكل ما لذّ وطاب، وله ما شاء أن يتمتع به من متع الآخرة!

خلاصة الكلام: إذا كنا متبصرين فلن نجد عاطفة أنقى من عاطفة الأب والوالد الذي أمر الله له بالصلة والبر. ومن الآباء من حقهم أعظم من حق الوالد، فاليتم إنما يكون أجلى وأوضح عندما تكون محصلته التيه عن الله سبحانه وتعالى! فإذا كنا نحزن لفقد الأب -الوالد- فلا يكون حزننا وأسفنَا على بقية الآباء أقل ولا تقديرنَا لجهودِهم وتعبهم ضئيلًا!



error: المحتوي محمي