المنهجية الإدارية في فكر الإمام علي بن أبي طالب «1»

إن الأنموذج الأمثل الذي يمثل لنا الشخصية الإنسانية الكاملة والمتكاملة هو شخصية الإمام أمير المؤمنين (ع) التي رسمت وبينت لنا من خلال خطبه المتنوعة والكثيرة في شتى المجالات كالإدارة المالية، والإدارة الاقتصادية، وإدارة الأصول وخاصة في حديثنا هذا وهو فكر الإمام (ع) في إدارة الموارد البشرية؛ وعلى الرغم من اختلاف المفردات المتعددة التي تصب في النهاية في معنى واحد بين تدبير، وسياسة، ورعاية وغيرها فإها تعني الإدارة بمفهومها الواسع.

ظهرت عدة مدارس فكرية في الإدارة خلال القرون الماضية والتي تعد حديثة بالنسبة إلى المدرسة الإدارية للإمام (ع) والتي جمعت مدرسته (ع) بين المدرسة العملية والإنسانية والتي جاءت في عهده (ع) لمالك الأشتر إذ قال: ”وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالمحبة لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعًا ضَارِيًا تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ”.

في بضع الكلمات هذه هدم الإمام المنهجية التي جاءت بها المدارس الفكرية التي تعد حديثة خاصًا المدرسة العملية، حيث إنها تعامل المورد البشري بالأساليب الاستعبادية أو كأنهم آلات أو مَكِنَات وليسوا بشرًا. علي (ع) ضد مبدأ الفوقية الإدارية، وضد الذين يرونَ الناسَ أقلَّ شأنًا منهم بسبب المنصب الذي هم فيه؛ لذا على المدير الحقيقي أنْ يحترمَهم ويلطفَ بأحوالهم، ولا يكون عليهم كالسبُع الضاري على الصيد، الذي ينتهزُ الفرصة لأكلِ أموالهم بالخصم، والحسم، والطرد، وما أجملها من استعارة حين يصفهُ الإمامُ (ع) بأنّه ”يغتنمُ أكلهم” وهذا المبدأ الذي تسير عليه المدرسة الإنسانية.

على الرغم من ذلك تشترك المدرسة العملية مع مدرسة الإمام (ع) في التشديد العالي على تطبيق النظام، إذ لو كان أمير المؤمنين (ع) موجودًا بيننا كـ”مدير” لتذمر الغالب من الموظفين منه؛ بسبب عدله وحرصه، إذ لو كان الدوام الساعة 7:30 صباحًا وتأخرت سوف يخصم، وإن لم يحقق الأهداف السنوية لن يكافأ، وإن قبل نقودًا أو هدايا من أشخاص بقصد التأثير على الموظف للقيام بأي عمل فصله.. إدارة علي بن أبي طالب صعبة، ولم يتقبلها مجتمعه الذي عاش معه، وهي من أسباب بغض الكثير له، فتحول ذلك البغض إلى طبرة شقت هامته نصفين سلام الله عليه.



error: المحتوي محمي