ضبط النفس في نهج الإمام الحسن المجتبى (ع)

من الصفات البارزة في شخصية الإمام الحسن المجتبى (ع) صفة الحلم والقدرة على ضبط النفس أمام الإساءة والاستفزاز، فمهما كان الظرف صعبًا وواجه المرء ما يستفز مشاعره فإنه يبقى محافظًا على سمته الكمالي والخروج عن دائرة ردات الانفعال الشديدة وعدم مقابلة الإساءة بمثلها، والبعض ينظر لمثل هذه المفردة الأخلاقية على أنها ضرب من المثالية الزائدة التي لا وجود لها في خضم متاعب الحياة وضغوطاتها المتزايدة، كما يراها البعض نوعًا من الضعف والاتصاف بالجبن ومدعاة لتطاول الآخرين عليه واستمرار إساءته دون توقف.

ونحن بين يدي سيرة الإمام المجتبى (ع) وما أشرقت منها من أنوار التسامح والتجاوز عن إساءة المسيء، لا بد أن نتخذها متأسى لنا ونهجًا نتعامل به في حياتنا وعلى مستوى علاقاتنا بعيدًا عن التشنجات والخصومات وما هو أعظم من ذلك، والتذرع بأن تلك الخصال الحميدة تصدر من أولياء الله العظماء فقط فقد أوتوا نفوسًا تعلو على الإساءات ولا تبالي بها، بينما نحن بطبيعتنا البشرية لا نقوى على ضبط أنفسنا أمام تجاوز الغاضبين والمسيئين وردة الفعل المنفعلة رد طبيعي على تجاوزه وذلك لإيقاف عدوانه، والحقيقة أن هذه التبريرات الواهمة تغطية لعجزنا عن الإمساك بزمام أنفسنا في لحظات الانفعال والاستفزاز، وبالتالي لا داعي للوم والتوبيخ على ما صدر منا من تجاوزات متبادلة فقد كنا في لحظات صعبة، وغاب عن فكر هؤلاء أنهم يسمون الغاضبين وما يصدر عنهم من كلمات قاسية ومسيئة ومواقف انفعالية بأنها تهور وتعبر عن خفة في العقل عندهم، ويا للأسف أنهم لا يطبقون مثل هذا الحكم وهذه الأوصاف على أنفسهم عندما يقابلون الاستفزاز والشتائم والإساءة بمثلها!!!

الحياة الهادفة تعني تخطيطًا ورسمًا للخطوات المستقبلية لإعداد الخطى والمتطلبات والدورات المهارية والتعليمية، ومن أهم مبادئ النجاح والإنجاز هو الابتعاد عن الأمور الهامشية والعراقيل التي يمكن أن تفوت عليه تحقيق مراده وغاياته، وماذا نقول عن الدخول في المهاترات والمشاحنات لأتفه الأسباب وطلب الانتصارات في المعارك الوهمية، إنها استنزاف للطاقة النفسية والمدركات الفكرية ومضيعة للجهود والوقت الثمين، وبالتالي فإن العاقل أكبر وأجل من الدخول في مثل هذه الدوامات ومسلسل الخسائر، بل يأخذ بطريق يجنبه الخصومات والترفع عن الإساءات، فالضعف الحقيقي هو الاستجابة التهورية لمشاعرنا المستفزة، وأما ضبط النفس أمام أي مشكلة أو أزمة نمر بها فهو عين الحكمة، فيجنبنا المحطات العنيفة من خلال التمسك بالحلم وكظم الغيظ والتسامح والصفح عن المسيء، ولعله يكون مرهمًا ودواء للبعض فيستحي على نفسه ويخجل من مقابلة جهله وتهوره بالتجاهل.

ضبط النفس والحلم يعني عدم الاستجابة لاستفزاز وإساءة الآخر وعدم الانزلاق إلى هاوية الإساءة والشتيمة، وهذا الحلم يعني امتلاك صاحبه لنقاط القوة وورقة الخيارات التي تبعده عن مقابلة الإساءة بمثلها، فهو يدرك جيدًا أن الإساءات المتبادلة إرهاق للنفس وتدمير للعلاقات الاجتماعية وتسافل عن مكارم الأخلاق والخط التكاملي للنفس، ولفهم ذلك جيدًا فلننظر إلى قطع الأرحام والخصومات بين الأصدقاء والجيران وإذا الغضب والاستجابة للاستفزاز يشكل العمود الفقري لها، ونندم بعد ذلك كثيرًا لما نجده من خسائر كبيرة منينا بها بسبب لحظة ضعف انفعلنا فيها، وما نجده من خلافات بين الزوجين وتصل في نهاية الأمر إلى محطة الانفصال والكراهية، أحد العوامل الأساسية فيها فقدان الزوجين لضبط إيقاع الانفعالات أمام استفزاز الآخر، إذ لو تمكن أحدهما من ضبط نفسه وتجنب الردات الانفعالية لنزع فتيل الخلاف حتى تهدأ النفوس وتبحث عن مساحة مشتركة للاعتذار والمسامحة، ولكننا مع الأسف لا نقدم هذه الثقافة لأبنائنا وبناتنا قبل الزواج لنتيح لهم معالجة المحطات المضطربة والخلافات بينهم بهدوء وحكمة وذلك لينعما بعلاقة سعيدة، وكذلك الجرائم كالقتل تجد بدايتها خلاف أو سوء فهم تطور إلى تلاسن وعنف وانتهى بفاجعة لا يمكن تدارك مفاعيلها ونتائجها الكارثية.

علينا أن ننشر ثقافة التسامح والصفح والتي دعا لها الإمام المجتبى (ع) وطبقها في سلوكه العملي في مواقف متعددة، فنتعاطى بضبط النفس أمام استفزاز وإساءة الآخر بعيدًا عن فتيل الخلافات والخصومات، وخصوصًا على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي وتبادل الرسائل مع الآخرين.



error: المحتوي محمي