لإنك إنسان «6»

لا أحد يعرف قيمة أُنس الإنسان وأنس الاجتماع مع الآخرين ومخالطتهم إلا من جرب العيش وحيدًا كما لو كان بسجن انفرادي أو غريب يعيش وحيدًا في بلاد غربة مع أناس يختلفون عنه في الدين والعادات والتقاليد.

بالطبع نحن حتى في مجتمعاتنا الصغيرة وهي في العائلة الصغيرة تحوي اختلافات لكن هناك رابط مشترك كالإسلام والولاء والدم.

قد نختلف في الأفكار والآراء والمعتقدات فربما في العائلة الواحدة قد تجد من هو ملتزم كثيرًا وهناك من هو بدرجة متوسطة وربما هناك من فتح باب الانفتاح على مصراعيه.

لكن لو حدث أمر يشمل تأثيره على الجميع ترى الجميع يأنسون بمواساة بعضهم والتعاون فيما بينهم دونما تفكير في الفروقات فكلهم داخلون في جو المعاناة مثلًا، وهذا ما حدث بالفعل في أزمة الكورونا بالطبع كانت أزمة بحجرنا في منازلنا، ولكنها أسهمت في أن تجعل الأب الموظف المشغول بعمله دومًا يجلس أكثر مع أبنائه ويتعرف عليهم ويأنس بوجودهم وهم يأنسون بوجوده أكثر.

أسهمت في أن نرى مظاهر فريدة من التعاون وحتى المواساة، فمن كان يفقد أعزاءه في ذاك الزمن كانت الهواتف تؤدي دور القلب الحاضر لتواسي كلماته الحارة والصادقة من امتنع عليه الحصول على حضن يواسي غبنة الوجع بفقد عزيزه، حتى لو كان المواسي لا يعرف الفقيد وأهله ولا يرتبط به بأي رابط، فقط رباط الإنسانية هو من كان يتحرك.

هناك مواقف نسميها بلهجتنا الدارجة “مواقف الفزعة” مواقف يحق لمن يتلقاها أن تدمع عيناه فرحًا لوجودها باقية على قيد الحياة فلا زال الإنسان بداخل بعضنا بخير.

فحين يحترق بيته أو محله، أو يتعرض لأي حادث يؤثر عليه من حوادث الزمن تلقى جمعًا ممن يحمل الإنسان الصافي بداخله يسعى لمد يد العون لأخيه الإنسان ويعطيه ويضحي لأجله ربما بحياته في سبيل إنقاذه من عقبات الحياة.

الإنسان الذي يتعامل مع الآخرين كإخوة له حتى لو لم يكن الدم رابطًا للأخوة لكن الأخوّة في الله قد تكون أعمق من أخوّة فيها أم وأب مشتركان.

وبالطبع لا يأنس الإنسان إلا بوجود أخيه الإنسان، فربما لو كنت مخيرًا أحدهم في الذهاب لمسجد أو مأتم أو أي محفل أو سوق سيختار المكان الذي يكون مملوءًا بحس الإنسان لهذا قد تجد السوق هو أكثر مكان قد تجده مملوءًا بالناس.

بعكس لو زرت مسجدًا ما أو مأتمًا فستراه يشكو الفراغ الكبير من وجود الناس في الأيام العادية، وستجد البهجة حين ترى المكان محتشدًا بأنفاس الناس لأنك مهما كان المكان فبالطبع إما أنك ستجد فيه من تجمعك به معرفة، أو ستكتسب معرفة جديدة.

في إحدى المرات في هذا الشهر ذهبت للاستماع في أحد المآتم وحال الانتهاء وجدت عدة شخصيات أعرفها وكنت سعيدة بلقائهم البعض كانت الكورونا امتد أثرها عليه حتى عزلته عن المجتمع، فشعرت بسلامي عليهن وكأنه يوم العيد.

وهذا بالطبع شعور أي إنسان حين يلقى من يحبه ويعرفه من بني جنسه وتجمعه معه رياض محمد وآل محمد عليهم السلام.

وربما هذا ما يميز شهر الله وأنسنا فيه حيث نلقى في محافله العبادية والقرآنية أنسًا جميلًا للروح أولًا بالذكر وثانيًا بملقى الإخوان وتبادل أطراف الحديث عن أحوالهم.

وحين نذكر الأنس الرمضاني ينتقل الفكر لأنيس النفوس (ع) تلقائيًا والذي كان البعض يأنس بالسفر والصوم بجواره ليكون أنسه نورًا على نور أنس شهر الله.

ففي يومك الثاني عشر يا شهر الله وهو يوم الأخوّة وأنس رسول الله (ص) بأخوّة أمير المؤمنين(ع)، لا زلت أسأل هل أنا في سُفرة من الأخوّة وأنسها فيك، أم في سَفرة عنها؟



error: المحتوي محمي