لم تكن غدير عبد الله أحمد الميلاد، تدري أن القدر يخبئ لها موعدًا مع السعادة والرزق بعد ولادة ابنتها نرجس التي غيرت حياتها بالكامل، فبينما كانت هي مشغولة بالتفكير في الهدايا التي ستقدمها احتفاءً بمولودتها الجديدة، طرأت في ذهنها فكرة هدايا الصابون المعطر برائحة النرجس والورد الطبيعي وبدأت في تنفيذها بالفعل، لتفتح لها الفكرة أبواب رزق جديد بعد ذلك.
صابون النرجس
استرجعت “الميلاد” ذكريات بدايتها مع “صابون النرجس”، قائلة: “جاءت ولادة ابنتي نرجس لتظهر ألطاف الله وسننه الكونية بأنه كافل رزق كل مولود؛ فمن فكرة هدايا ولادتها كانت بداية انطلاقة مشروعي، فتواصلت مع أحد المتاجر الذين اعتذروا عن التوصيل إلى السعودية وبحثت عن متجر آخر محلي لكن أسعاره المرتفعة أوقفتني، ومن هنا عزمت في قرارة نفسي أن أدخل هذا المجال، وبالفعل حصلت على أول دورة في أساسيات صناعة الصابون العضوي، لأبدأ رحلة الألف ميل، واخترت اسم مشروعي تيمنًا باسم ابنتي”.
دعم العائلة
لاقت فكرة مشروع “الميلاد” دعم ومساندة وحب الأهل والأقارب، ما شجعها على الاستمرار والتجربة، فكان والدها -رحمه الله- أكبر داعم لها بعد زوجها وأبنائها، كما كان أشقاؤها من أكبر الداعمين لها أيضًا، ولم تنس دور زوجة أخيها وابنته في تشجيعها وابنتها، فالجميع تحمس لفكرتها ووقفوا بجانبها.
من الصفر
بدأت “الميلاد” تأسيس مشروعها من الصفر بخطوات ثابتة ومدروسة، فكانت من ضمن الدورات التي حصلت عليها دورة “الصابون بالإذابة”، وبعدها بدأت تطلع على كل ما يتعلق بصناعة الصابون من خلال بحثها على موقع الفيديوهات العالمي “يوتيوب”، ولم تكتف بذلك فقط بل حصلت على دورات أخرى عن بُعد، واستمر شغفها بالتعلم، فاطلعت على الأعشاب وأنواع الزيوت، ودرست فوائدها العلاجية.
منتجات مُميزة
بدأت “الميلاد” تجربة ما تعلمته في صناعة منتجاتها حتى استطاعت في النهاية تقديم منتجات عضوية مُميزة بمعايير عالية الجودة غنية بالزيوت والأعشاب الطبيعية في نوعيتها وشكلها ورائحتها الساحرة، وذلك بشهادة كل من حولها، بل وكان لمنتجاتها أثر علاجي كالتخفيف من حبوب الشباب وعلاج الجفاف والتصبغات، والعناية بالبشرة والعناية بها.
مكونات
تختار “الميلاد” مكونات منتجاتها بعناية فائقة، فهي تستخدم مواد طبيعية خالصة، منها؛ لبان الدكر، الشوفان، عسل النحل، الكركم، الخزامى، الصبار، الغار، السدر، النيلة الزرقاء، الفحم، وغيرها الكثير من المنتجات الطبيعية التي تغذي البشرة وتعالج مشكلاتها بروائح زكية أشهرها: التوت، وباودر الأطفال واللافندر، والكاكاو.
أسرار المهنة
ترى “الميلاد” أن الصابون اليدوي يجب أن يتم صنعه بمكونات محسوبة ومواصفات دقيقة ثم يدمج مع الزيوت الطبيعية، والمكونات العلاجية الأخرى على مراحل، مستعرضة طرق صناعة الصابون وتقنياته المتعددة؛ كصناعة الصابون بالإذابة، وطرق الصناعة الحارة والباردة.
وشرحت الفروق بين كل نوع، قائلة: الصابون بالإذابة هو صابون خام يتم إذابته ثم إضافة الزيوت العطرية الخاصة بالبشرة وتلوينه وصبه في قوالب السيليكون، بينما الصابون الطبيعي يصنع آليًا وهو عبارة عن هيدروكسيد الصودا وزيوت طبيعية، مثل: زيت زيتون، وزيت جوز الهند، وزيت الخروع، وزيوت عطرية علاجية، أما التصنيع البارد فمن خطواته المهمة أنه يتم تقطيع الصابون ووضعه على الأرفف وبعد شهر كامل يتم اختبار الرقم الهيدروجيني للبشرة الـ Ph إذا ما كان مناسبًا لها ثم عرضه للبيع”.
صناعة بِجَمال
تهتم “الميلاد” بكل التفاصيل من دقة التصنيع، وصولًا إلى تصميم وابتكار أشكال جديدة وشراء القوالب مختلفة، فبعض زبائنها يميلون للأسماء والحروف أو عبارات التهنئة، وغيرها من الأشكال والتصاميم التي تعمل عليها ولا يمكن أن تجدها في المتاجر الأخرى، ولعل أكثر الإقبال يكون على التوزيعات المختلفة للمناسبات؛ كتوزيعات العيد، والمواليد، والمدارس، والمناسبات السعيدة والتي يتم صنعها بناءً على طلب عملائها.
“باث بومب الكندر”
يعد منتج “باث بومب الكندر” أهم المنتجات التي تميز متجر “الميلاد” عن باقي المتاجر في فكرته وأشكاله المتنوعة، وهو عبارة عن (فوارة البانيو) ويكون بداخلها لعبة مخصصة للأطفال، حيث ذكرت أنها الأكثر طلبًا خاصة في المهرجانات حيث تسعى لتوفيرها بكميات كبيرة وتعمل عليها بشكل يومي لأنها تنفذ بسرعة.
صعوبات
واجهت “الميلاد” بعض الصعوبات في مهنتها كأي مهنة جديدة، ولكنها تجاوزتها بالصبر والإصرار، فكان التطبيق العملي لما تعلمته هو أكبر تحدٍ واجهته حتى عرضت عليها صديقتها المقربة عناية آل عمران، تعليمها صناعة الصابون الطبيعي بشكل عملي، بعدها واجهت صعوبة توفير المواد الخام بطلبها من المواقع الأجنبية لفترة؛ بسبب ارتفاع تكلفة الشحن، ولكنها تغلبت على هذه المشكلة بمساعدة أبناء أشقائها المبتعثين في الخارج والذين لم يقصروا أبدًا في توفير احتياجات مشروعها عند عودتهم في الإجازات الصيفية.
تحقيق الحُلم
بعد زيادة الإقبال على منتجات “الميلاد”، بدأت تفكر في توسيع نشاطاتها وزيادة إنتاجها، الأمر الذي تطلب توسيع مساحة معملها الخاص، فبعد أن كان يقتصر على المطبخ وعدة أرفف لتخزين المواد الخام والطلبات، ونظرًا لضيق المكان خصصت غرفة في منزلها لتصبح معملًا خاصًا بها، معقبة: “كنت في كل عام أجرب وأضيف منتجات جديدة لكن المكان بدأ يضيق مع استحداثي لمنتجات إضافية، وشعرت بحاجة لمكان أكبر، وبعد رحلة سبع سنوات من الصبر حققت حلمي في تجهيز معملي الخاص داخل منزلي بفضل دعم والد زوجي وأيضًا والدي -رحمه الله- وكذلك مساعدة أبنائي الذين يقاسمونني الحلم وحماسهم الذي يشجعني على الاستمرار رغم التعب والمشقة”.
معمل خاص
حرصت “الميلاد” في تأسيس معملها على أدق التفاصيل في التصميم والتخزين، ودعمها في ذلك زوجها، واستطاعت نقل كامل معداتها إلى معملها الصغير مُنذ شهر تقريبًا، كما أنها استطاعت امتلاك جهاز خاص في تشكيل (الباث بومب) لتسهيل العمل بخلاف الفترة الماضية حيث كانت تعمل بقوالب الضغط اليدوية، مضيفة أنها قامت بشراء قطاعات مستوردة خاصة في تقطيع الصابون، وأضافت إلى قائمة منتجاتها الحجر المعطر، والشموع، والمرشات، والعطور والبخور.
وساعدتها ابنة شقيقتها في تصوير منتجاتها، وإدارة حسابها على الانستقرام (Al_Narjes2017)، حيث أوضحت “الميلاد” أن هذا الحساب ساعدها كثيرًا في التعريف بمنتجاتها والتسويق لها وتحقيق الانتشار بالإضافة إلى ثقة زبائنها التي اكتسبتها مع الوقت.
طموح
تتمنى”الميلاد” الدخول إلى عالم التدريب لتنقل خبراتها للراغبين في تعلم هذا المجال وتخدم مجتمعها، خاصة بعد حصولها على شهادة مدرب معتمد، معقبة: “تستهويني كثيرًا فكرة التدريب، وأجد نفسي جاهزة لخوض هذه التجربة، وأعمل الآن على تصميم ورشتي عمل صناعة الباث بومب وصابون الجلسرين بالإذابة”.
مشاركات متعددة
شاركت “الميلاد” في العديد من المعارض والفعاليات وتم تكريمها من قبل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية نظير مشاركتها في(معرض صنعتي)، ووصلت بمنتجاتها إلى جميع مناطق المملكة المختلفة فتقول لدي عملاء من الأحساء، الرياض، مكة والطائف كذلك ودول الخليج وخاصة مملكة البحرين، ومؤخرًا شاركت في معرض “حرفيون 2” الذي ينظمه مكتب الضمان الاجتماعي بمحافظة القطيف بالشراكة مع بلدية محافظة القطيف، وجمعية التنمية الأهلية بحلة محيش وبرعاية محافظ القطيف إبراهيم محمد الخريف، قد انطلق يوم الأحد 4 رمضان 1444هـ، وينتهي يوم الثلاثاء 13 رمضان 1444هـ في حديقة الناصرة بالقطيف.
