يوم التسامح

يصادف 10 – 11 مايو 2023 (هذا العام) المؤتمر العالمي الثاني للتسامح عبر الثقافات، في برشتينا- كوسوفو، كوسيلة لتعزيز التسامح، يتم تكريم الأفراد والمؤسسات من أي مكان في العالم، لمساهماتهم العميقة في تعزيز روابط الأخوّة الإنسانية في بلدانهم والعالم بوجه عام.

يسعدنا بهذه المناسبة الطيبة التي يعد لها على قدمٍ وساق من الآن من قبل الجهات الدولية المنظمة، أن تكون لنا هذه المشاركة المختصرة، وخاصة ونحن في هذا الشهر الكريم، شهر رمضان العظيم الذي أنزل فيه القرآن هدى ورحمة للعالمين.

فالكلمة الطيبة من اللسان تحمل الخير والسرور وهي مفتاح الدخول للقلوب، تحمل الأثر الطيب في الأنفس، قال الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾. وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ فالإنسان بالخلق الرفيع والمعاملة الحسنة، وبالقلب العطوف يكسب محبة الله سبحانه وتعالى، ويلقى محبة الناس من حوله واحترامهم، ويبني علاقات اجتماعية واسعة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل، مما يتيح الاستقرار والطمأنينة وتلك من المبادئ الخيرة التي يؤكد عليها الدين الإسلامي الحنيف.

إن تهذيب الأخلاق وكف الشر والأذى عن الناس، وكل عمل خير نقوم به لنا من الأجر والثواب الكبير عند الله سبحانه وتعالى، مضت عدة أيام من دخول الضيف الكريم علينا شهر رمضان، شهر البركة والرحمة والمغفرة، وعلينا أن نستفيد من هذا الشهر الفضيل ونغير من أنفسنا وأحوالنا، ونصبح أحسن وأفضل مما كنا عليه في السابق من حياتنا، ولا يتحقق هذا التغيير الجميل نحو الأفضل إلا بالإيمان الخالص والعزيمة الصادقة.

دعونا أن نكون مميزين أكثر وأكثر، وخاصة ونحن نعيش جميعًا هذه الفترة الإيمانية الجليلة، والتي لا تأتي علينا وعلى العالم بأسره، إلا مرة واحدة من كل عام، شهر كريم تتجلى فيه الأنفس بالرحمات وعمق الإحساس والارتباط مع الخالق جل جلاله، وحيث نعيش في عالم التواصل الثقافي والاجتماعي والإنساني.

علينا أن نبادر ونسعى بكل أمانة وصدق وهو ليس بالعسير إن شاء الله، بالاعتذار لكل من ظلمناهم ممن كانوا أحياءً – للتسامح الإنساني من أجل الإنسانية – وإلى من انتقلوا إلى رحمة الله، بالدعاء لهم بالمغفرة والتصدق عنهم، علينا أن نسامح من ظلمنا أو غلط علينا، ليس لأي شيء، فقط لوجه الله سبحانه وتعالى، ما أحوجنا اليوم لذلك ونحن نعيش مراحل الوعي والنمو والازدهار بأرقى صوره ومراتبه وعلينا أن نفتح صفحات بيضاء جديدة ومشرقة بيننا وأن نغرس بذور التسامح ونجعل هذه الثقافة الإسلامية الحميدة سائدة في مجتمعاتنا بنشرها وتفعيلها بكل ما نملكه من جهد وقوة وبصدق ونية صافية خالصة لوجه الله حتى يعود نفعها وخيرها على الجميع بإذن الله.

فالتسامح من الأخلاق والقيم الإنسانية التي أمرنا بها الله عز وجل وأوصانا بها رسوله الكريم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي من خلق الرسل والأنبياء عليهم السلام، وقد أنزل الله في نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ومن صفات المتقين قال الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “أَلَا أُخْبِرُكم بمَن يَحْرُمُ على النَّارِ، وبمَن تَحْرُمُ عليه النَّارُ؟ على كلِّ قريبٍ هيِّنٍ سهْلٍ” الإنسان الذي لا يقابل الإساءة بالإساءة، فيكتم الغيظ ويعفو، قوة عظيمة متى امتلكها الشخص وتجاهل أخطاء الآخرين، له من الأجر والثواب، وقد صنف التسامح بأنه زينة العقل.

التسامح صمام أمان يبعدنا عن اتباع شريعة الغاب والذئاب التي تسود فيها الوحشية والانتقام والحقد والكراهية، بها يشعر الجميع بالراحة والطمأنينة هي خلق عظيم ومن أفضل الطرق للارتقاء بدرجات الإيمان والفرد المتسامح ينال محبة ومرضاة الله ويرفع من شأن الشخص بين الناس ويزيد من حبهم واحترامهم له وبها تغفر الذنوب، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التغابن: 14]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40]، ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: 22].



error: المحتوي محمي