لأنك إنسان «4»

لا شيء يبقى على حاله بدون تغيير أو تطوير، فلا أحد يهوى الروتين والبقاء على وتيرة واحدة، نعم قد تكون الوتيرة الواحدة منطقة راحة للبعض والتطوير خروج منها ولكن تجارب الآخرين في التقدم والتطوير الجميل تستحق التضحية بالراحة وتجربة تعب التطور.

حتى الإنسان الحجري كان يتطور ويرسم تطوراته وتطور أدواته التي كانت تعينه على مواصلة الحياة.

وفي مجال التطور تجد هناك مجالًا مغناطيسيًا يجذبك للأفضل دائمًا، وهنا تكمن غريزة في الإنسان وهي غريزة حب التفوق، فمن منا لا يحب الحصول على المركز الأول بأمر من الأمور ليكون هو المتفوق الأول فيه.

وحب التفوق يتشعب منه فرعان فهناك فرع جميل يُدعى بالطموح فيكون السقف العالي في الأهداف والنظر إلى ما وراء مد البصر هو شيء يحتاج التصفيق، فحين لا أكتفي بدراسة درستها مثل أقراني ومن هم بعمري، ولا أكتفي بمنصب قد أراه لا يليق بإمكانات ذاتي وأحتاج أن أعتليه، وحين أرغب في صنع بصمة خاصة بي تجعلني في مصاف الناجحين على حياة الروتين، حين يتعدى نظري الحياة الدنيوية وأنظر بزاوية أخروية فلا يهم التعب في العبادة والتكلفة في الأداء سواء بالقيمة أو الجهد أمام أجر مذخور ينقلني للجنة، فجميعها حب بالتفوق وطموح نتمنى حقًا أن نكون ممن يسلك طريقه ويصل لقلب الهدف فيه.

أما الفرع الثاني من حب التفوق فهو الفرع المذموم منه والذي يُدعى بالأنانية، فقد يتفوق أحدهم ولا أحد ينكر تفوقه لكنه لا يشارك الآخرين ليستفيدوا بما تفوق فيه، فهو يتعامل معه وكأنه سر الطبخة الذي إن شاعت باء ما عنده بالفشل فهي لا تصلح إلا من عنده.

فهناك أنانية حتى بالاحتفاظ بالعلم رغم أن هناك روايات خطيرة في كتمه حيث يروى لنا عن الرسول الأعظم (ص) قوله: “من كتم علمًا نافعًا ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار”.

أصادف أحيانًا أن أقابل أشخاصًا شخصيًا أو حتى عبر حساباتهم لهم بصمة نجاح في أعمالهم ومشروعاتهم وتراهم صفحة مفتوحة من المعارف التي لا يبخلون فيها بتقديم أي طريقة لعمل شيء هم يقومون به، وحين سؤاله فهو يعطيك من قلبه كل ما لديه وكل ما تريد معرفته خاصة إذا كنت تريد التعلم للعمل حقًا لا أن تضع العلم في ملفات مخزنة يعتريها غبار الزمن.

فهم يرون العلم الذي أعطاهم الله إياه مباحًا لأن يتعلمه الآخرون، وليس هناك من سيأخذ رزقهم منهم لأنهم متوكلون على الله والله يتكفل برزقهم مع رزق الآخرين.

حين نفكر بزاوية الأنانية فسيدخل فيها الاحتكار والاستبداد والطغيان وعدم مراعاة الآخرين الذين قد يتعارض حبنا للتفوق مع مصالحهم.

جميل أن تكون لي شجرة فارعة ولكن إذا كانت هذه الشجرة تزاحم طريق الآخرين وتعكر مسارهم فلا ضرر ولا ضرار.

مشكلتنا هي أننا ننظر بزاوية الأنا ونحجب رؤية الجميع ونحجب وجودهم في حياتنا، فالمهم أنا دون غيري، والمهم وصولي وتفوقي أنا وما ورائي الطوفان، فأنا المقدس الصحيح كلامه وغيري هم المخطئون!.

قد يرى البعض التفوق في كثرة الكسب المادي في تجارته، ولكن هناك مكسب آخر يطمح البعض لكسبه فيكسب الاثنين وهو كسب النفوس قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللقاء، فاني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم”.

حين نتكلم عن التجارة ومن ربح فيها فأول ما يخطر ببالنا من كانت تجارتها مضرب مثل للكسب من غناها، ومن يعمل لدى السيدة خديجة (عليها السلام) وهو معدم يعود من قابل وهو ذو تجارة كبيرة، لم تقل فيها السيدة (ع) إنه أخذ تجارتي وسرها، لكنها كانت تفتح أبوابًا من تجارتها ليتعلم الناس منها.

طموحها العالي وتجارتها رغم كونها امرأة وربما الوحيدة في هذا المجال لكنها لم تزاحم الرجال في أسواقهم ولم تقم باحتكار تجارتهم ولا مساومتهم، وأدارت تجارتها بشكل لا ينكر أحد معه نجاحها فيه.

ومع هذا لم تلق بالًا بالأنا لأن طموحها كان سماويًا فبذلت كل ما تملك من تجارتها لتتاجر مع الدين وتشتري قيامه بمالها وتهديه زوجها رسول الله (ص) حتى نالت في فضلها وكرامتها أن جاءها سلام خاص من الله، وكفن يأتي من السماء لأجل سيدة عظيمة نحن نفخر أنها أمنا وأم المؤمنين خديجة (ع).

ففي شهر الله المبارك الذي اختار استضافة ناصريّ رسول الله (ص) نحن نطمح أن تكون لنا تجارة كتجارة مولاتنا خديجة (ع) تصل لكل العالم لنتفوق فيها في إيصال ولو كلمة تمثل نورًا للتائهين أو تكون راية تنصر المجاهدين أنفسهم.

وفي يومك العاشر يا شهر الله والذي أعلنت فيه انقضاء ثلثك لا زلت أسألك هل أنا في سُفرة من التجارة لديك، أم في سَفرة من التجارة فيك؟



error: المحتوي محمي