من الجمعة إلى الجمعة.. الجشي عندي أفضل من دا فينشي!

أقول والله المستعان أنني أتعامل مع الثقافة مثل تعاملي مع الرياضة. ففي الرياضة أتابع بعض الألعاب مثل اليد والقدم، والكرة الطائرة كوني كنت لاعبًا فيها، وأما الفرق التي أشجعها فهي مضر بلا شك، ووطنيًا النصر وعالميًا ريال مدريد.

في الثقافة أحب الرسم كونه هوايتي الأولى وقتها قبل وقبل العزوف عنها، ثم الكتابة كوني مارستها منذ الصغر ومازلت، ثم الشِّعر كمتذوق أولًا، وممارس بالقدر الذي أجيده ولا أدّعي أنني شاعر، وإن قيل خلاف ذلك.

للمقارنة سوف أضع الشعر قبال أي لعبة من الألعاب الرياضية التي أعشقها، وقد قلت أني أشجع فرقًا بعينها، كما أنني أحب شعراء بعينهم من دون ذكر أسمائهم هنا احترامًا وتقديرًا للجميع.

أقول: الشعر في الثقافة قبال لعبة من الألعاب في الرياضة، وبعيدًا عن الصجة والضجة والرجة والطحنة القائمة الآن حول الحداثة وأن القصيدة لازم أن تكون فزورة، ولا ممكن أن تعتد القصيدة الفلانية شعرًا إذا لم تشكلها الألغاز والفوازير والإبهام والغموض والإغراق في تعقيد أبجديتنا العربية الجميلة، وعلينا أن نأخذها كواجب مدرسي للمنزل لنفكك رموزها وتعقيداتها، ثم نندهش لاحقًا أو لا نندهش – وهذا ملخص ما قرأته وفهمته من الحداثيين.

مقارنة بالرياضة، أقول إنه كما يوجد “عك كروي” فإن هناك “عك شعري”، هكذا ببساطة.

في الرياضة تطربنا النقلات والحوارات الجميلة للكرة بين أقدام اللاعبين أو أيديهم، كما يعجبنا اللاعب الفلاني بعينه لأنه يطربنا حد الدهشة والدعسة، ونصفق له في التو واللحظة، وليس لاحقًا، ولا يحتاج فنه الكروي لتفكيك وتركيب حتى نندهش لاحقًا وبعد انتهاء المباراة، وفي الشعر تمامًا وبنفس المقياس. ولذلك وشخصيًا يشدني الشاعر الخفيف الشفيف اللطيف والذي أستطعم حروفه حرفًا حرفًا ويأخذني من المكان الذي أنا فيه إلى المكان الذي يحلق بنا الشاعر معه أينما يريد، بعيدًا عن العتمة والإغراق في الغموض والذي لا يعلمه حتى بعض كتاب ذلك الشعر المعني بالأمر.

من المؤسف أن يكرس بعض الشعراء جل وقتهم وباستماتة دفاعًا عن وجهة نظر خاصة، وأن الشعر قد حصلت له طفرة جينية قلبت موازينه وعَروضه وبحوره وأنهاره، وأن الكلمات والأدوات التي درجنا على استخدامها كما درج غيرنا من عقود وقرون غابرة قد تآكلت أو ابتلعها حوت ذي النون عليه السلام.

لم يدّعِ مدربٌ من مدربي الألعاب الرياضية يومًا أنه استحدث منهجية فنية خاصة، أو أوجد مدرسة مختلفة، ولا سمعنا أو شاهدنا لاعبًا قد اخترع طريقة بعينها للوصول لشباك الخصوم وتسجيل أهداف، ونحتاج لمعرفتها أن نفكر ونفكر ونحن في المدرج كيف سجل الهدف ثم بعدها نندهش ونصفق وقد انتهت المباراة أصلًا.

أكتب هذا الكلام بعفويتي والمقدار الذي أفهمه، كوجهة نظر خاصة، وأنا لست بمقام الناقد هنا، وليست لدي حرفية الناقد، بل ولا اعترف بالذي يدّعي النقد حتى تثبت لي حياديته -وعدالته- فضلًا عن دراسته وفهمه وحرفيته بعيدًا عن عاطفته التي يبجل فيها شاعرًا بعينه ويحط من قدر آخرين لأسباب لا تخفى على نبيه، أقول هي وجهة نظر، والشعر الذي أميل إليه هو الشعر الجميل بموسيقاه وأنغامه وتفعيلاته ومجازاته وشفافيته وألوانه وبعروضه وبحوره، وبقدرة صاحبه على إلفات المستمع والمشاهد العام قبل الخاص.

الشاعر الذي يستطيع بأبسط الأدوات المتاحة أن يصنع لنا جمالًا وجملًا تنساب عذبة رقراقة، وقصائد فريدة المعاني كأنها في عباراتها لوحات فنية لرسام مبدع وليست ألوانًا على بعضها لتخرج لنا خربشات طفل لم يبلغ سن الفطام، وحضرتي يسحرني الفنان محمد الجشي مثلًا وهو عندي أفضل من دا فنشي ذلك الذي تباع لوحاته بملايين الدولارات، بينما فناننا القطيفي الكبير يضع بضاعته في الأماكن العامة والمساحات الخضراء وغير ذلك ليتفرج عليها العامة والخاصة، وهو لا يبخل بذلك، ومواقعه الإلكترونية زاخرة بأعماله، ولا أفوت يومًا واحدًا دون أن أكحل عيني بالتنقل بين لوحاته الأخاذة وكأنني أتصفح ديوانًا من الشعر الذي يطرب، لا ذلك الذي يعكر علي يومي والسلام.


وقفة:
يستوقفني كثيرًا الاستشهاد بأبناء العم سام في كل شاردة وواردة، وكأن أمتنا العربية لم تنجب الأفذاذ في مختلف المجلات.



error: المحتوي محمي