همسة موسوية: سعادتنا بأيدينا

من المعلوم أن تمني زوال نعمة الآخرين داء ليس له دواء عبر التاريخ، فضلًا عن أنه يقتل صاحبه كمدًا وحسرة ويحرمه لذة النعم قبل أن يحرم الآخرين.

ينتشر هذا المرض -غالبًا- بين الأرحام والأصدقاء وزملاء المهنة أو التخصص ومرضى النفوس، وعند إشراقة الحياة على بعض الأشخاص فضلًا من الله ونعمة (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ).

للحسد أخطار جسيمة على الروح والبدن معًا قد تمتد أحيانًا بامتداد الحياة. قيل إن البعض منها أدى إلى الوفاة وبعضها للمرض العضال وبعضها للفقر وبعضها للجنون وغير ذلك.

أثبت الله -جل شأنه- الحسد في كتابه المجيد في عدة مواضع: قال تعالى: (إنْ تَمْسَسْكُمْ حسنةٌ تَسُؤْهُمْ وإنْ تُصِبْكُمْ سيئةٌ يَفْرَحوا بها..)، وقال تعالى: (إذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)، وقال تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).

من علامات الحاسد لك: الكراهية المفاجئة والتسقيط والافتراء والكيد وتأليف الشائعات والتتبع والشماتة وتغيّر اللون والقسمات واضطراب السلوك واستغلال نقاط الضعف والمنافسة المقيتة والفتنة وتشويه السمعة والغيرة وعدم الارتياح أثناء جلوسك أو كلامك ومحاولة تسخيف أفكارك أو تصغير منجزاتك والتشكيك في نواياك وأهدافك وتجاهلك عند المرور بك، وربما التصادم والعدوانية المباشرة والكثير الكثير.

قد تكون هذه العلامات بارزة وقد تكون مخفية في الحاسد وقد يظهر بعضها فقط أو أغلبها بينما تكون مجتمعة أحيانًا.

غير أن ذلك كله لا يعني ولا يبرر لبعض العقول البشرية أن تؤمن بأن الحسد ظاهرة عامة ومطلقة وفي جميع الناس دون استثناء، وتعلل خيباتها أو سوء أقدارها أو تعثراتها الدائمة أو المؤقتة أو أمراضها باتهام الناس ظلمًا وجورًا وبهتانًا؛ وذلك لعدة اعتبارات تتعلق بنفسية وفكر هذه الشريحة السلبية:
1- إن ثقتها بالله وحفظه ضعيفة وهذا من ضعف الإيمان وعدم المعرفة بالله غالبًا.
2- إنها تعيش هذا الشعور النفسي السلبي في قلبها وتسقطه على الناس تباعًا لأنها جزء منه؛ وبالتالي تحتاج هذه الشريحة لتطهير القلب لتستشعر طهارة الآخرين.
3- الحسد موجود ومنذ الأزل ولكنه لم يصل حد الظاهرة التي تستوجب إخفاء كل شيء عن كل أحد أو التشكيك في كل الناس لأن ذلك يتنافى مع خلق الله في فطرة الإنسان الطاهرة.
4- إن سوء الظن المذموم شرعًا وسوء التشخيص والظلم فيه مفتوح؛ وما أكثر الأبرياء المتهمين به.
5- ينتشر هذا التشخيص السيء للناس في البيئات الجاهلة والحاقدة والمريضة في أغلب الأحوال.
6- هاجس الحسد شماعة المهملين والمتقاعسين عن واجباتهم الحياتية بشكل عام.
7- هاجس الحسد يحرم الناس من العيش بسعادة وشفافية واستقرار وينشر الكراهية والحقد المنهي عنه؛ وبالتالي فأغلبية هذه الشريحة من السلبيين فكرًا وسلوكًا.
8- نسيت أو تناست هذه الشريحة أن لها ذنوبًا وآثامًا حجبت عنها الرحمة والتوفيق كالظلم والجور والتعدي والكيد والافتراء وعقوق الوالدين ورمت خيباتها على الناس لتبرأ نفسها من ذلك.
9- لا تعي هذه الشريحة أن الحياة الدنيا محطة ابتلاء وامتحان (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا).
10- أغلب هذه الشريحة فاقدون للمرونة في تعاطيهم للأحداث والمواقف وفي تعاملهم مع الناس لذلك تنسب السوء للآخرين وتبالغ في سقف التحليل السلبي.

وعليه؛ من الجميل جدًا أن يحسن المرء ظنه بالله وبالناس لأنهم عباده، فحسن الظن بالناس هو حسن ظن بالله في الأصالة، كما أن حسن الظن يجعل الحياة جميلة هانئة مهما علا سقف الابتلاء فيها، ويجعل العلاقات الإنسانية متينة تحوطها الثقة ويغمرها الأمان والسكينة بعيدًا عن الأمراض والعداوات والظنون الوهمية، ويجعل الأرواح إيجابية منطلقة تحلّقُ في الحياة كالفراشات البريئة.

هذا المقال هو خلاصة لمجموعة قراءات وتجارب قد أكون مصيبًا في تشخيصها وقد لا أكون.



error: المحتوي محمي