لا تقرأوا هذا الكتاب

وخير جليس في الزمان كتاب.. حكمة سوف يبقى أثرها يرافقني حتى بعد أن تتشقق ملامح وجهي، والتي تشققت بالفعل. لقد كانت تلك العبارة ترتيلة صباحية، يعزفها أستاذنا المرحوم جمال قدومي. وذلك في صباح كل يوم في الإذاعة المدرسية.

لقد علمنا قيمة الكتاب وأنه المؤنس في كل زمان ومكان. ويبقى الكتاب كما البشر فمنهم الصالح ومنهم الفاسد. ونصيحتي إلى قراء الكتب ألا يقرأوا هذا الكتاب فهو سيجلب لهم التعاسة والإحباط.

إنه كتاب ” تاريخ التعذيب” للكاتب براين اينر. والذي يتكون من ثلاثة عشر فصلًا بدأها في تاريخ التعذيب في اليونان وروما. وختمها بفصل يتحدث فيه عن منظمة العفو الدولية ونشاطها لحملة دولية ضد التعذيب. أما محتوى الكتاب فهو فيلم رعب بامتياز. ففيه كل ما يخطر، وما لا يخطر على العقل من وسائل التعذيب التي استخدمها الإنسان في تعذيب الأسرى والمساجين. ولقد استعرض الكاتب جانبًا يبرر فيه استخدام التعذيب لمجموعة من المفكرين أو المثقفين. فالكاتب الفرنسي البير كامو والحاصل على جائزة نوبل يرى أن الحجة في التعذيب هي الحاجة للحصول على معلومات. أما أفلاطون فله منهجية فلسفية كما العادة. فالأحرار يتم معاقبتهم باللوم أو التوبيخ وكحد أقصى فرض غرامة. أما العبيد فيتم معاقبتهم بالجلد بواسطة السياط وقد تصل العقوبة للإعدام بالرغم من أن الجريمة هي نفسها للأحرار أو العبيد.

وبالرغم من أن الكاتب خص الفاصل الثاني بعنوان “طقوس وحشية” إلا أن كل الفصول طقوس وحشية. فالقدرة العجيبة للإنسان على اختراع الأدوية والقضاء على الأمراض. هي نفسها القدرة العجيبة على اختراع أدوات التعذيب. وكأن في السجن مفكرًا يضع فكرة يتنبأ بها بقوة الألم التي يشعر بها السجين. وسرعة الحصول على المعلومات المرجوة. وبالتالي أصبح وجود المهندس مهمًا والذي يقوم بتحويل الأفكار إلى أدوات. فالمخلعة على سبيل المثال والتي تربط أطراف السجين بها. ويقوم اثنان بتحريك البكرات لشد أطراف السجين إلى أن تتمزق أربطته وعضلاته. وهناك آلة تعذيب أخرى معروفة باسم “بنت الزبال” وهي هندية الأصل وتم تطويرها في إنجلترا. ووظيفتها تكسير عظام الصدر وفقرات العمود الفقري. أما بالنسبة لآلة “الحذاء” فهي وحشية ومميّزة لدرجة أن الشهود وأعضاء المحكمة يهربون أثناء البدء بطقوسها. ولقد تفنن المخترعون باختبار أسماء الآلات فهناك آلة العذراء الحديدية واللولب الإبهامي وغيرها الكثير.

أما في فصل “التعذيب النفسي” وهو ما قبل الفصل الأخير. فلقد استعرض الكاتب أساليب متعددة ومنها “ركض فرقة الإعدام” و”حمامة الغائط” و”الإغواء”.

الكتاب جيد من ناحية إثبات العدوان كدليل غريزي في الإنسان. أما من ناحية المتعة والاسترخاء فهو مؤذٍ نفسيًا. ومن يستمتع بقراءته فهو حتمًا مازوخي أو سادي.



error: المحتوي محمي