و إنها لكبيرة

التعبير عن إقامة الصلاة بحدودها و جني ثمارها التقوائية ، بأنها كبيرة أي ممتنعة و يصعب الرقي إلى منزلتها العالية ، يفصح عن حقيقة دور الصلاة في حياة الإنسان ، لتتجاوز تلك الحركات البدنية إلى عمق الوجدان و توجيهه نحو نورانية الملكات و الفضائل ، بينما يعزف عن جمالها من لا يملكون بصيرة نافذة تيقظ ضمائرهم ، و تخلع غطاء الغفلة و الشهوة عن قلوبهم ، فيأبون الالتزام بصلاة الخاشعين الأوابين ، و أقصى ما يمتلكونه هو الاستغراق فيها صورتها بدنيا مع غياب تام لأرواحهم عن استحضار العظمة الإلهية و الاستعداد للوقوف بين يديه سبحانه ، و هذا سر عدم توفيقهم لفهم حقيقة المناجاة و الطاعة ، و إصرارهم على متابعة المسير الأعمى نحو الشهوات و الملذات ، و التي تقبع في شغاف قلوبهم ، فأولئك المستغرقون في الاهتمام بحطام الدنيا ، لن يستشعروا يوما نعمة الشعور بالطمأنينة و الأنس بلقاء المحبوب ، نعم فالصلاة في أوقاتها تجديد عهد الحب و القرب من المولى العظيم ، فلا يمكن لشيء مهما تعاظم وجوده و أثره من سراء أو ضراء أن يسلبه هذه النعمة الإلهية ، و هي حضور القلب و اتجاهه نحو طلب التجلبب برضا الرحمن .
أي معادلة و موازنة يقيمها هؤلاء الواهمون بين كفتي ملذاتهم و بين مظهر العظمة و العزة بالوقوف بين يدي حضرة القداسة ، و التي تنبيء عن استحكام قبضة الغفلة عليهم ؟!
فهذا الحطام الزائل الذي امتلك أزمة أمورهم و قادهم بسلاسل العشق الزائف و الأماني الكاذبة نحو حفر مصائرهم ، أعطاهم حقيقة واضحة و هي الاستمتاع المؤقت بالنزوات حتى تأتي آجالهم بلا سابق إنذار ، أفلم يكن لهم من رادع يحصنهم من الافتتان بزينتها من حصافة رأي أو رؤية تجربة لمن سبقهم بالوجود و الرحيل ، فتعسا لمن أغمض جفني بصيرته عن رؤية جمال التذلل و الانكسار بين يدي ربه ، فاختار الأدنى و الخسيس من عيش قصير الأمد !!
أما من ضبط شهواته و أحكمها وفق لأوامر و نواهي مولاه لا أهوائه ، فإنه يجد ذلك الإقبال الروحي و الوجداني على مضامين الصلاة الواعية ، فتخشع روحه و أحاسيسه ضبطا و صبرا و سكينة في ذلك اللقاء في الحضرة القدسية .


error: المحتوي محمي