أنت في فرح

حين أقرأ كلمة فرح دائمًا ينتقل قاموس لهجاتي للهجة المصرية التي تضع هذه الكلمة بدل كلمة عرس لدينا، وأجدها تحجّم معنى الفرح الأوسع من دائرة الأعراس والأفراح التي ترافقها، فالفرح كلمة تأتي بموازاة السرور الذي تراه يتمثل بشفاه واسعة بابتسامتها الراضية لمن دخل الفرح والسرور في قلوبهم وكسب من أدخل الفرح والسرور على قلوبهم أجرًا عظيمًا يتصل بهم حتى للقبر.

ومخطئ من يعتقد أن الفرح يكون نصيبه الأكبر بالزواج والاحتفال فيه لتكون ليلته هي ليلة العمر، نعم هو جزء من الحياة وبالطبع يكون فيه شيء من الفرح ولكني أجزم أنه فرح مشوب وغير صافٍ، لأن حتى بأوج لحظات الفرح والاحتفال تلقى هناك همًا يلاحق العرسان وأهاليهم.

إما بالسعي بإرضاء كل المعازيم والوصول لدرجة الإسراف لأجلهم وبالطبع لن يصلوا لرضا الجميع وسيبقى بعض الهم لتعبير البعض عن امتعاضه وغضبه عن بعض الأمور الناقصة، أو بطرف آخر من مسار الهم فهو هم الدين الذي ركب الظهر وبات يفسد حتى تلك الابتسامة التي يطلبها المصور لتكون صورة عريسه جميلة فيها.

بالطبع الزواج سُنّة كونية وشرعية محببة بالإسلام وأعلم أن هناك من يحجب تفكيره عن أداء هذه السُنّة من كثرة تكاليفها، فهو ينظر كم ستكلفه من النقود وسنوات العمل لادخار مبالغ ليلة العرس ولا يضع بحسبانه أن توفيق الله له قد ينسف حساباته ويخففها كما حصل بزمن الكورونا مثلًا والتي كانت محنة للبعض ولكنها كانت منحة وفرصة للتخفيف لكل من أراد الزواج وتسريعه.

همّ التكاليف شيء لا ننكر وجوده فهو بات منغصًا من المنغصات ليس فقط بالأفراح ومن سيتزوج والكم الهائل الذي سيحتاجه حتى يصل لوقت يستطيع النوم دون دين يلاحقه كل شهر أو حتى كل يوم، بل تعدى الأمر لأمور كثيرة في حياتنا فالدراسة مثلًا تحتاج تكاليف المواصلات وتكاليف الإصلاح والوقود، العزائم تحتاج تكاليف والعلاجات وغيرها كلها تستهلك نوعًا من التكاليف الباهظة.

لكن مهلًا وليقل لي أحد من يتحكم بكمية التكاليف؟ أليس هم نحن؟ نعم أقصد تكاليف الأمور الثانوية وليست ضرورية كضرورة العلاج أو التعليم وغيرها من الضرورات الحقيقية وليس من جعلها العرف ضرورة، وفيما عدى ذلك نحن نستطيع وضع درجة أهمية التكاليف تحت جدولة الاستغناء في سبيل التخفيف بزمن الغلاء، فمثلًا فلنفكر أنه بيدنا الاستغناء عن التدخين بكل أدواته وأنواعه ليس فقط لفرض الغلاء عليه الذي لا نستطيع مجاراته ولكن لأن صحتنا هي التي ستفرض علينا تكاليف أعظم وأعظم إن لم يكن اليوم فغدًا حتمًا.

لكن دعونا ننظر من زاوية أخرى للتكاليف فهناك تكاليف غير التكاليف المالية والتي كان حري بنا أن نأكل همها أكثر رغم أن جزءًا من التكاليف المالية سيكون خطيرًا علينا خاصة إذا تعلّق بحقوق الناس، ولكن هناك حق خطير وتكاليف متأخرة التسديد لرب الناس، فأخطرها أداء حق العبودية له وعدم الإشراك به حتى بهوى متبع.

فكم ضيّعنا أوقاتنا دون أداء عبادة كشكر لنعم الله التي لا تعد ولا تحصى مما ندركها ومما لا ندركها، وكم خالفنا قوانين الله وتعدّينا خطوط حرامه دون أن نعتذر له ولو بدمعة توبة وقلب خاشع لحيائه من ذنبه الذي اقترف.

لكن مع هذا فإن وصولنا لنقطة اليأس من رحمته وعدم حسن الظن به مهما كنا غارقين في وحل الذنوب فهذا تكليف باهظ الثمن أعظم من الذنوب ذاتها، وحري بنا ألا يغمض جفننا لأعوام وليس لأيام فقط لأننا كدنا أن نكفر برب عظيم برحمته.

ومن يهدينا شهرًا مثلك يا شهر الله أفلا يستحق أن نهديه قلبًا متوكلًا عليه ويثق أن كل شيء من عنده جميل وصالح لكل مقاييس حياتنا؟

أفلا يستحق من ينسف دفاتر تكاليف ذنوب فائتة علينا بتوبة أو حتى نيتها، أن تكون توبتنا صادقة وأكيدة بعدم الرجوع لذنب سيحمّلنا تكاليف تقصم ظهرنا حياءً ممن يقبل منا القليل وعلينا الكثير؟

حقيقة نحن نعيش موسم الفرح فيك لكمية التفضل بالضيافة الإلهية المقدمة لنا، ودموع الخاشعين فيك هي أجمل بطاقة دعوة للعروج للسماء.

ومنها أعود وأسألك باليوم الثاني منك هل أنا بسُفرة من الفرح أم سَفرة إليه؟



error: المحتوي محمي